الاثنين، 5 يونيو 2023

مفهوم السنة في القرآن الكريم

للمهتمين ؛ (ولا أخالهم كثيري العدد) : هل صاحب هذا الفهم (*)يعتبر من : "القرآنيون" ظاهرة تتمدد في أوساط الناس كل يوم ...؛ولابد لهذه المفاهيم أن تطرح وتناقش: (الامم السابقة شككت في الرسل (والقران خير شاهد)فما بالك بمن هم دونهم..؛مع كثرة المصادراليوم..) إن الإسلام له كتاب ورسول، وقد تكفل الله بحفظ كتابه بقوله: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» (الحجر، 15/9). وأمّا الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مأمور باتباع ما يوحى إليه من الكتاب وتبليغه كما قال تعالى: «وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» (الأعراف، 7/203). وقال تعالى: « يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» (المائدة، 5/67). و قوله تعالى: قُلْ لاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ [الأنعام: 50]. وجه الدلالة: إنْ كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعمل إلاَّ بالوحي، فلا يسع أحداً من أُمَّته إلاَّ العمل بالوحي المُنزَّل عليه. و اتِّباع النبيِّ صلى الله عليه وسلم وطاعتُه إنما مرجعها إلى اتِّباع أمرِ الله تعالى وطاعتِه، فما جاء به النبيُّ صلى الله عليه وسلم إنما هو من عند الله سبحانه. وأما سنة النبي صلى الله عليه وسلم فهي الأحكام التي استنبطها من كتاب الله و طبقها في حياته، فلا بد من التطابق بينها و بين الكتاب. ولذلك يجب أن نعرض السنة – التي نَقلت إلينا أقوال وتطبيقات الرسول صلى الله عليه وسلم- على القرآن الكريم. وهذا هو الطريق الوحيد لإجتناب الأحاديث التي لا اصل لها والمدسوسة. إن لكل واحد من المذاهب العقائدية والفقهية والكلامية وغيرها من المذاهب الإسلامية (من مصدران الى آلاف المصادر)كتب خاصة يتمسك بها أتباعها، وهذه الكتب يجب أن تعرض على الكتاب والسنة كذلك؛ لنفرق بين السليم والسقيم فيما نقل إلينا من الأحكام . والقارئ لهذه المقدمة سيرى أن سبب وجود الآراء والأفكار الخاطئة في الكتب الدينية، هو الإعتماد على ما أُلِّفَ في العصور القديمة، بعيداً عن القرآن الكريم، وعدم الإلتفات إلى تطبيقات النبي صلى الله عليه وسلم لما أوحي إليه بين أصحابه الكرام رضوان الله عليهم أجمعين. وبمعنى آخر فإن بعض المسلمين قد تركوا القرآن وراء ظهورهم. وقد أخبر القرآن الكريم عن ذلك فقال عز وجل: «وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً» (الفرقان، 25/30). أي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سيشتكي إلى الله تعالى، من أن قومه تركوا القرآن الكريم وابتعدوا عنه. ( إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ) اي :من يقولون ان محمد صلى الله عليه وسلم جاء باقوال من عنـــــده او من عند بشـــــــر وليس من القــــــــران. 3349- عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إنكم محشورون حفاة عراة غرلا، ثم قرأ: {كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين} [الأنبياء: 104]، وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم، وإن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول أصحابي أصحابي، فيقول: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح ": {وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني} [المائدة: 117]- إلى قوله - {العزيز الحكيم}فتح الباري شرح صحيح البخاري. ومن أعظم أسباب التبديل والتغييروالتناحروالتفرق والجور والظلم وطمس الحق وقتل أهله وإذلالهم ؟ ؛احداث تاريخية تحولت الى سنن (احاديث صحيحة )تتكرر بسم الدين . ولا يخلو زمان ممن يجعل من الدين أداة للبلوغ إلى المنافع الدنيوية والمصالح الشخصية، سواء أكانت سياسية أم اجتماعية أم غيرها من شؤون الحياة اليومية، فهم بذلك يجلبون الضرر على الدين ويشوهون صورته. ويزداد ضررهم إذا كانوا من العلماء أو ذوي النفوذ في المجتمع. لذا يجب علينا – المسلمين- أن نأخذ حذرنا تجاه ما يقال ويقدم باسم الدين؛ لأنه لا يمكن الإطلاع على نوايا الناس. والهدف في ذلك، هو تبليغ القرآن الكريم إلى جميع النا.س بدون أي تفرقة سواء أكانوا من المؤمنين أم من غيرهم. ونحن نؤمن بأن أخذ الدين من القرآن الكريم و الفهم الصحيح للسنة بدلا من مؤلفات الناس سيدخل تغييراً جذرياً في آراء الناس وأفكارهم تجاه الدين الإسلامي. يقول تعالى لعبده ورسوله محمد ، صلوات الله وسلامه عليه : ( وما أرسلناك إلا كافة للناس ) : أي : إلا إلى جميع الخلق من المكلفين ، كقوله تعالى : ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) [ الأعراف : 158 ] ، ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ) [ الفرقان : 1 ] . ( بشيرا ونذيرا ) ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ، كقوله تعالى : ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) [ يوسف : 103 ] ، ( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ) [ الأنعام : 116 ] . وقوله تعالى { إن الذين آمنوا} أي بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم. { والذين هادوا} اليهود، وهم المنتسبون إلى ملة موسى عليه السلام. { والصابئين} هم قوم يعبدون النجوم. { والنصارى} هم المنتسبون إلى ملة عيسى. { والمجوس} هم عبدة النيران القائلين أن للعالم أصلين : نور وظلمة. { والذين أشركوا} هم العرب عبدة الأوثان. { إن الله يفصل بينهم يوم القيامة} أي يقضي ويحكم؛ فللكافرين النار، وللمؤمنين الجنة. وقيل : هذا الفصل بأن يعرفهم المحــــق من المبطــــل بمعرفة ضروريــــــة، واليـــــوم يتميز المحــــــق عن المبطـــــــل بالنظــــــر والاستـــــــدلال . الاعتراف بالحـــق نجــــــاة وفضيلــــة وحســــــم للخــــــــلافات ،ولكنه صعبٌ على النفس،لأن الإنسان معجبٌ برأيه،معجب باتباعه...،فليس من السهل عليه أن يتراجع عنه ولا أن يقر بخطئه،إلا إذا كان على مستوى رفيـــعٍ من العلـــــم والفهــــــم والاخلاص والخلق،وهمه الاكبر رضا الله ،ونحن نرى كثيراً من الناس يتعصب أحدهم للاحزاب والفرق والاديان والملل والطرق والمذاهب ولشيخه ولرأيه ويرمي من يخالفه بالجهل،أو الاحتقار والاستصغار . ولا يقبل جدالاً ولا نقاشاً،وليس هذا من الإنصاف في شيءٍ بل هو عنادٌ وجهلٌ وإصرارٌ على الخطأ ومهلك لنفسه فى طلب رضا غيره ،وإن النقاش الهادئ المبني على الروية والحكمة هو الطريق السليم الذي يؤدي إلى معرفة الحق وإلى التمييز بين الآراء المنحــــرفة الخاطئـــــة والآراء الصائبــــــة السليمـــــــــة. ========== (*)يقول : السنة في الأساس تعني الطريق أو الطريقة (المنهاج)[1]. وترد هذه الكلمة في القرآن الكريم 16 مرة في 11 آية، وفي آيتين منهما يريد الله من كل إنسان أن يتبع سنته[2]. وفي الآيات التسع الأخرى حديث عن الحالة المزرية التي يقع فيها من لا يتبعون سنته[3]. أ_ سنة الله تعالى سنة الله هي الإسلام الذي رضيه الله دينا للبشر منذ آدم عليه السلام. وكل من وثق في الله تعالى يكون قد دخل في دينه وناله من نفع الإسلام وفضله. ومن يرون النفع من غير الإسلام فهم الخاسرون حتما. وقد ورد العديد من الموضوعات في الآيات 1- 26 من سورة النساء ثم قال تعالى بعدها:{يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}وقد أرسل الله النبيين ليعلموا الناس سنته، وقد آتى كلَّ واحد منهم الكتاب والحكمة، ولأنّ ما حوته تلك الكتب في غالبه واحد كان من خصائصها أنها تصدق بعضها بعضا. يقول الله تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ[4] وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي[5] قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ. فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (آل عمران 3/81-82) رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا[ سورة النساء: 165] أرسلناهم «لئلا يكون للناس على الله حجة» تقال «بعد» إرسال «الرسل» إليهم فيقولوا: ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتـــــــــــك ونكون من المؤمنين فبعثناهم لقطع عذرهم «وكان الله عزيزا» في ملكْه «حكيما» في صنعه. ( ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون ( 52 ) هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ( 53 ) ) . لم يكن للأحكام في عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مصدر سوى الكتاب. ففي كتاب الله تعالى الأصول العامة للأحكام، ما كان منها متفقاً مع الأصول ثابتاً بثبوتها،لا يتغير بمرور الزمن،ولا يتطور باختلاف الناس في بيئاتهم وأعرافهم. كل هذا حتى يساير القرآن الكريم كل زمن، ويبقى صالحاً لكل أمة،مهما كانت بيئتها، وأعرافها،فتجد فيه ما يكفل حاجتها التشريعية في سبيل النهوض والتقدم،وإلى جانب هذه الأصول في القرآن الكريم، نجد العقائد، {(و بعض العبادات ؛كيفية الصلاة (عدد الركعات )والزكاة.. والصيام.. والحج ..؛في الواقع تطبيقاًعملياً لما جاء به،تطبيقاً يتخذ مظاهر مختلفة،مع الشرائع السابقة )}وقصص الأمم الغابرة،والآداب العامة والأخلاق. ب_ الكتاب والحكمة هما المرشد لمن يتبعون سنة الله تعالى بالنظر إلى الآيات المتعلقة بالسنة يتبين أن الله تعالى يريد هداية الناس إلى ما أنزله من الكتاب والحكمة. ولأن الحكمة متضمنة في الكتاب فإن كل كتاب من كتب الله هو دليل لمن يتبع سنته. متبعو سنة الله هم الذين يسلكون الطريق الصحيح. لا يمكن تصور الكتاب دون احتوائه على الحكمة. وقد عدَّد الله تعالى في الآية 83 من سورة الأنعام وما بعدها 18 عشر نبيَّا من نوح إلى عيسى، ثم ذكر أنه اختار من آبائهم وأبنائهم أنبياء آخرين، ثم قال مخاطبا نبيه الخاتم: {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} (الأنعام 6/89)تفيد الآيات بوضوح أن المرشد والدليل لمن يسلكون طريق الحق هو الكتاب والحكمة. ووفقا لهذا الأمر الذي نزل بمكة امتثل نبينا للكتب السابقة في مسائل لم ينزل بعد فيها نص، وكان هذا سبب توجهه نحو القدس في صلاته حتى نزلت آيات تغيير القبلة (البقرة 2 / 142-150). وبقي نبينا يتبع الكتب السابقة فيما لم ينزل فيه نص حتى نزول سورة المائدة حيث تقرر فيها أن يلتزم النبي بما نزل إليه في القرآن من أحكام بعد إتمام نزوله واكتمال الدين (المائدة 5/3 ، 48). وقد أمرنا الله تعالى في سورة المائدة أن نقول لليهود والنصارى:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ، وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (المائدة 5/68)وقد أمر الله تعالى اليهود والنصارى بإقامة التوراة والإنجيل لأنهما يأمرانهم صراحة باتباع القرآن والإيمان بخاتم النبيين[7] (الأعراف 7/157) العبارة التوراتية جاءت كما يلي: “أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ (أبناء إسماعيل) مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلاَمِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ. وَيَكُونُ أَنَّ الإِنْسَانَ الَّذِي لاَ يَسْمَعُ لِكَلاَمِي الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ بِاسْمِي أَنَا أُطَالِبُهُ”[8] . (سفر التثنية، 18/ 18-19)أما الإفادة في الإنجيل فكانت كالتالي: “وأما الآن فأنا ماض إلى الذي أرسلني، وليس أحد منكم يسألني: أين تمضي، لكن لأني قلت لكم هذا قد ملأ الحزن قلوبكم. لكني أقول لكم الحق : إنه خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم. ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة. أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي. وأما على بر فلأني ذاهب ولا ترونني أيضا. وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين. إن لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن. وأما متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية. ذاك يمجدني، لأنه يأخذ مما لي ويخبركم”. (إنجيل يوحنا 16/5-14) ت_ اتباع السنة فريضة على النبيين أيضا أول المخاطبين باتباع سنة الله تعالى هم الأنبياء، وحكم اتباعها فرض عليهم. ويمكننا إيراد الآيات المتعلقة بزيد بن حارثة وزينب رضي الله عنهما كمثال على ذلك:{مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ، سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا . الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} (الأحزاب 33/38-39){وَإِذْ تَقُولُ (يا محمد) لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ (زيد بن حارثة) أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ، وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ } (الأحزاب 33/37)لقد أراد زيد أن يطلق زوجته زينب، وقد خشي نبينا أن يأمره الله تعالى بالزواج منها في حال طلاقها، لأنه بحسب الآية التالية فهو مطالب بأن يكون قدوة حسنة للناس في تطبيق أحكام الله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب 33/21)لقد خاف محمد عليه السلام من أن يكون المثال الذي سينهي اعتبار المتبنى كالابن الحقيقي، ذلك أنه كان من غير المقبول في مجتمع النبي أن يتزوج الرجل من زوجة متبناه المطلقة، حيث كان الابن والمتبنى يعتبران نفس الشيء. لكن هذه الآيات التي نزلت في المدينة كشفت أنّ التبني غير معتبر في شريعة الله تعالى:{مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ، وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ[9] مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ، وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ، ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ، وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ. ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ، فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ، وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (الأحزاب 33/4-5)والآية التالية تثبت أن المحرمية تكون لزوجة الابن وليس لزوجة المتبنى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ … وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} (النساء 4/23)وقد جاء قيد (الذين من أصلابكم) لنفي شبهة أن يكون المتبنى كالابن. لقد حاول نبينا منع زيد من طلاق زوجته لكن زيدا مضى بتطليقها، وقد حصل ما خاف منه النبي وهو أن الله تعالى زوجه من زينب، علمنا هذا من قوله تعالى:{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ، وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ، وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ، فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} (الأحزاب 33/37) لم ترغب زينب بهذا الزواج أيضا، لكن بعد نزول هذه الآية تزوجا ولم يبد أي منهما اعتراضا على ما أمر الله تعالى، وهذا حال المؤمنين تجاه أوامر الله تعالى ونواهيه، أن يقولوا سمعنا وأطعنا. {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ، وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} (الأحزاب 33/36)ولا بد من الوقوف هنا على قوله تعالى (إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا). إن لكلمة الرسول معنيين، الأول الرسالة والثاني حامل الرسالة (المفردات مادة رسل)، ووظيفة الرسول هي تبليغ الرسالة بدون زيادة أو نقصان[10]. ولأن الناس لا يمكنهم سماع كلام الله مباشرة منه سبحانه كان لا بد من بعث الرسل لتبليغهم رسالته، لذلك لا يمكن أن يكون كلام الرسول مصدرا ثانيا للتشريع لأنه مبلغ عن الله تعالى رسالته وليس شريكا له فيها ، لذا فإن ورود مصطلح (رسول الله) في القرآن يسلط الضوء على آيات القرآن، وأول المخاطبين لامتثال تلك الآيات هو محمد صلى الله عليه وسلم (الأحزاب 33/1-2)، بناء على ذلك كله فإن أول المخاطبين بالآية أعلاه كان نبينا الكريم وأمنا زينب رضي الله عنها. وقد علمنا اتباع نبينا وزينب للآيات وقبولهم بالزواج الذي أمرهما الله به من قوله تعالى في نهاية الآية:{وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} (الأحزاب 33/37)الأحكام التي قررتها الآيات هي جزء من سنة الله تعالى التي يجب على جميع الناس اتباعها وعلى رأسهم النبيون. ث_ الاختلافات في السنن لقد أنزل الله على جميع النبيين الكتاب والحكمة، ولأن الكتب يصدق بعضها بعضا (آل عمران 3/81-83) كانت طريق الأنبياء واحدة، لكن هذا لم يمنع أن يكون هناك بعض الاختلاف في بعض الأحكام، نتعلم هذا من خلال الآية التالية:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ، فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ، لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا، وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ[11] إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (المائدة 5/48)المنهاج هو الطريق القويم[12] الذي بينه الله تعالى وعرفه، أي سنة الله. والشريعة هي الأحكام الخاصة المفروضة على البشر وحوتها الكتب السماوية (الشورى 42/13)، وبالرغم من كون الدين واحدا إلا أن كل شريعة لها مزايا خاصة اقتضت اختلاف بعض الأحكام بين الشرائع، التي كان بعضها من أجل اختبار الناس، كما أن هذا الاختلاف يجعلنا نفهم بشكل صحيح موضوع نسخ الكتب (البقرة 2/106) وتصديق بعضها بعضا (المائدة 5/15). بدأت البشرية بآدم وحواء ، وكان أول نبي هو آدم عليه السلام الذي كان له شرف أن نزل عليه الكتاب الأول. ومن الضروري أن تكون بعض الأحكام المطبقة منذ آدم عليه السلام قد ألغيت بشكل دائم مع حفيده نوح. فقد ورد في الآية التالية أننا مسؤولون بحسب شريعة نوح:{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} (الشورى 42/13) ج_ سنة الله والنسخ النسخ يأتي بمعنى نقل المتن المكتوب بشكل حرفي إلى كتاب آخر، النسخة الأولى هي المنقول عنها بينما المنقول إليها هي الثانية، والناسخ يحاول قدر الإمكان أن ينقل النص الأصلي لكنه قد يضيف أو يعدل ما يراه نافعا. وقد بين سبحانه أن النسخ الخاص في كتبه يخضع لنفس القاعدة حيث قال:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا، أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة 2/106)ونسخ القرآن للكتب السابقة بالمثل أي إيراده ذات الأحكام التي حوتها؛ أي تصديقه لهذه الأحكام والمحافظة عليها. أما النسخ بخير منها فهذا يعني تخفيف بعض الأحكام التي حوتها الكتب السابقة، لهذا السبب فإن القرآن الكريم ما هو إلا نسخ لما في الكتب السابقة بمثلها أو بخير منها. نتيجة لذلك لا توجد آية واحدة في القرآن لا تعد ناسخة للكتب السابقة. ويُعد الأمر باستقبال بيت المقدس للصلاة مثال على الأحكام التي وضعت في الكتب السابقة للاختبار، ذلك أن القبلة الأولى هي الكعبة، لكن تم تحويل القبلة إلى بيت المقدس زمن داوود عليه السلام[13]، لكن القرآن جاء بإعادة القبلة من جديد إلى الكعبة، وقد كان ذلك التحويل اختبارا لأهل الكتاب كما تورده الآية التالية:{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ، إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} (البقرة 2/143)يعلم اليهود والمسيحيون أيضًا أن التوجه نحو بيت المقدس في الصلاة كقبلة هو تشريع لفترة قصيرة لاختبار أهل الكتاب. نتعلم هذا من الآيات التالية:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ، وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ، وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ. وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ، وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ، وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ، وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِين} (البقرة 2/144-145). بنزول آخر الكتب (القرآن) وإتمام أعمال النسخ اتخذ الإسلام شكله النهائي. قال الله تعالى في آخر ما نزل من القرآن:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (المائدة 5/3) ح_ الذين لا يتبعون السنة تعدّدت الآيات في وصف من لا يتبع السّنة، أي الطريق الذي حدده الله للنّاس، وكشف صفاتهم، والأوضاع السيئة التي يقعوا فيها. ويمكننا سرد هذه الآيات على النحو التالي: 1_ الذين لا يتبعون السنة هم الذين لا يثقون بالله والذين يكذبون في آياته وينافقون فيها. وهذا السلوك يتسبب في معاقبتهم. يقول الله تعالى:{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (آل عمران 3/137){وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ. وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ. كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ. لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ. وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ. لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} (الحجر 15/10-15){لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ[14] مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ[15] فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا[16]. مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا. سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (الأحزاب 33/60-62) 2_ الذين لا يتبعون السنة هم الذين لا يوفون بوعودهم ويتكبرون ويتابعون نواياهم السيئة. {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ، فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا . اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ، وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ، فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ، فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} (فاطر 35/42-43) 3_ من لا يتبعون السنة يعاقبون بالمثل، وقد عوقب مشركو مكة عدة مرات بالمثل وأبرزها فقدانهم مكة بعدما أخرجوا النبي والمؤمنين منها. يقول الله تعالى:{وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا. سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا} (الإسراء 17/76-77) 4_ الذين لا يتبعون السنة سيخسرون في كل حرب يخوضونها. يقول تعالى:{وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا. سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (الفتح 48/22-23) 5_ من لا يتبعون السنة يؤمنون بعد نزول العذاب فيهم لكن إيمانهم لا ينفعهم:{فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا، سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ، وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} (غافر 40/84-85) 6_ إذا تاب من لا يتبعون السنة قبل نزول العذاب فيهم فإنه يغفر لهم:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ، وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ[17]} (الأنفال 8/38) خ_ تحريف مصطلح السنة رأينا في ضوء الآيات ذات الصلة أن سنة الله هي الطريق الصحيح للجميع، والذين لا يسلكون هذا الطريق سيواجهون مصيرا سيئا. وسنة الله هي سنة رسله (الإسراء 17/77 ، والأحزاب 33 / 38-39). وعلى الرغم من أن الموضوع واضح للغاية ، إلا أن مفهوم (سنة الله) الذي يعد من أهم مفاهيم القرآن قد تغير في التراث على النحو التالي:“سنّة الله هي القوانين التي وضعها الله من أجل خلق الطبيعة والحفاظ عليها وتنظيم الحياة الاجتماعية”[18]. وقد سردنا الآيات التي ورد فيها مصطلح السنة، وعند المقارنة بين تلك الآيات والتعريف الآنف فلا يمكن أن تجد أدنى علاقة بينهما. وقد تم التلاعب بمصطلحات الحكمة والنبي والرسول ليخرج لنا تصور جديد عن السنة. يقول الإمام الشافعي الذي يعتبر من رواد علم الأصول، بعد أن سرد الآيات التي تفيد بأن الحكمة نزلت على نبينا مع الكتاب وأنه علمها لأمته[19] ما يلي:“سمعتُ مَنْ أرْضى من أهل العلم بالقُرَآن يقول: الحكمة سنة رسول الله. لأن القُرَآن ذُكر وأُتْبِعَتْه الحكمة، وذكرَ الله منَّه على خَلْقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يَجُزْ – والله أعلم – أن يقال الحكمة هاهنا إلا سنةُ رسول الله. وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله، وأن الله افترض طاعة رسوله، وحتَّم على الناس اتباع أمره، فلا يجوز أن يقال لقول: فرضٌ، إلا لكتاب الله، ثم سنة رسوله لِمَا وصفنا، من أنَّ الله جَعَلَ الإيمان برسوله مقرونا بالإيمان به. وسنة رسول الله مُبَيِّنَة عن الله معنى ما أراد، دليلا على خاصِّه وعامِّه، ثم قرن الحكمة بها بكتابه، فاتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسوله”[20] بما أن رسول الله هو الذي ينقل إلينا كلام الله ، فإن الكلام الذي يتكلم به بصفته رسولا هو كلام الله، وأن الامتثال لهذه الكلمات هو بالطبع امتثال وطاعة لله. لكن الإمام الشافعي جعل الكلمات التي قالها محمد عليه السلام كرسول كأنها من كلامه، وبهذا جعله مرجعاً ثانياً بعد الله تعالى، وهكذا فتح الباب للشرك. الآيات التي وجد فيها الإمام الشافعي دليلاً على ما ذهب إليه هي الأحزاب 36 والنساء 59. ومن المستحيل أن تكون هذه الآيات دليلاً على رأيه حيث سنقف عليها فيما بعد. د_ تحريف مصطلح الحكمة كما سيتضح من الآيات ذات الصلة ، فإن الحكمة هي علم إيجاد الحلول من كتاب الله. وبناء على ذلك ، فليس من المرجح أن تكون كلمات الإمام الشافعي التالية صحيحة:“قرن (الله تعالى) الحكمة بها بكتابه، فاتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسوله”[21] اعتبر الشافعي أن الحكمة شيء خارج القرآن (تحليلا وتحريما)علما أن الله تعالى ذكر بوضوح أنه أنزلها في كتابه، يقول الله تعالى مخاطبا نبيه الخاتم:{وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَبِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ} (البقرة 2/231) لم يشر الله تعالى إلى الكتاب والحكمة هنا بضمير التثنية، بل استخدم الضمير المفرد. مما يدل على أن الحكمة هي من جنس الكتاب ومتلبسة به، لذا فقد علَّم محمدٌ أمَّته الحكمة بصفته رسولًا مع الكتاب[22]. بالإضافة إلى أن الله أنزل الكتاب والحكمة ليس فقط على محمد بل على جميع الأنبياء[23]. وقول الشافعي: “وسنة رسول الله مُبَيِّنَة عن الله معنى ما أراد، دليلا على خاصِّه وعامِّه” هو قول مخالف للقرآن كذلك، لأن محمدا عليه الصلاة والسلام ليس مفسرا للقرآن، بل المفسر هو الله تعالى بنفسه، وقد وضح الله تعالى هذه الحقيقة في 18 آية[24]، وقد بين بهذه الآيات أنه لم يعط أحدا غيره صلاحية تفسير كتابه:{الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ. أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ[25] نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} (هود 11/1-2) بحسب هذه الآيات، فإن من يحاول أن يشرح كتاب الله على طريقته سيضع نفسه مكان الله ويرتكب بذلك أعظم خطيئة وهي الشرك. (فما بالك بآلاف الأطنان من التفاسير والمتون )وعليه فإن نسبة تفسير الكتاب إلى نبينا أمر غير مقبول. وفقًا للآية التالية، هناك حاجة إلى معلومات قاطعة لاعتبار أي كلمة أنها من كلام الله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (الأعراف 7/33)اعتبار كلام شخص ما على أنه كلام الله يعني وضعه في مقام الله. ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) وهذا لا يصح إلا للآيات التي نقلها رسل الله كرسل. لأن طاعة رسول الله هي طاعة لله (النساء 4/80). لهذا السبب يجب على من يقول أنه رسول الله أن يثبت ذلك، وهذا هو سبب اتيان الرسل بالمعجزات. معجزةُ محمد الباقية حتى يوم القيامة هي القرآن، وهو ليس مثل معجزات الأنبياء السابقين التي لم يبق لها أثر. فهو معجزة يمكن رؤيتها ومعايشتها دائمًا. إحدى الآيات ذات الصلة هي قوله تعالى:{وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَدْعُوا شُهَدَاءَكُم[26] مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ. فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا[27] فَتَّقُوا النَّارَ الَّتِى وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ، أُعِدَّتْ لِلْكَفِرِينَ} (البقرة 2/23-24)وقد نزلت آية مشابهة تخص شخص محمد -صلى عليه وسلم-. لأنه كان يجب أن يتأكد قبل أي شخص آخر من أنَّ الذي جاءه من الكتاب هو من عند الله تعالى:{فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ[28] مِن قَبْلِكَ، لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} (يونس 10/94)أكثر الناس عرضة لوسوسة الشيطان هم الرسل والأنبياء، لأن إضلال أحدهم فيه إضلال كثير من الخلق، يقول الله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ[29] ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (الحج 22/52){وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا، وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ، فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} (الأنعام 6/112)لهذا السبب ، يتم حماية النبي من تدخل الشياطين حينما يوحى إليه.(وغيره من الناس معرض للوسوسة والإضلال ) الآيات التي تبين ذلك هي:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا. لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} (الجن 72/26-28)الحكمة هي العلم الذي يوفر الإمكانية للوصول إلى الأحكام من كتاب الله تعالى. لقد ورد في الآيات 26-51 من سورة الأعراف ذكر العديد من النعم التي أنعمها الله تعالى على بني آدم، وتوجيهات للأنبياء وأتباعهم عن كيفية مواجهة الأحداث وتصرفات المخالفين، ثم بعد ذلك ذكر سبحانه أنه فصل الكتاب الذي بعثه للناس بأسلوب علمي:{وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف 7/52)تعليم الله تعالى الحكمة لرسله[30] وتعليم الرسل إياها[31] اقتضى بالضرورة أن تكون الحكمة موجودة في كتب الله تعالى، ووجود كل التفاصيل المتعلقة بالحكمة في كتاب الله يقتضي أن يصل إليها كل من اجتهد للوصول إليها. يقول الله تعالى: {يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ، وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا، وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبَبِ} (البقرة 2/269) يمكن الوصول إلى تفصيل الله تعالى لكتابه من خلال الذين أوتوا العلم درجات - قد تعلم أفرادُه الحكمةَ من كتاب الله تعالى. يقول الله تعالى:{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (فصلت 41/3) الحديث بإسم الله تعالى من غير كتابه يُعدُّ من الشرك (الأعراف 7/33)، لذا فإن جميع الأنبياء قد صدر منهم التحذير التالي:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ} (الزمر 39/65-66)وهذا يعني أنه إذا ينسب نبينا صلى الله عليه وسلم كلاما لله تعالى من غير القرآن سيكون مشركا (حاشاه)، لذا فإن العبارة التالية المنسوبة للإمام الشافعي لا يمكن قبولها:“وسنة رسول الله مبينة عن الله معنى ما أراد دليلا على عامِّه وخاصه”والحق أن توجيهات النبي وأفعاله تعكس الحكمة الموجودة في القرآن. لكن تعليم الحكمة وتطبيقها على أرض الواقع ليستا نفس الشيء، ونبينا الكريم لا يمكن أن يخطئ عندما يعلم الحكمة لكنه قد يحتاج انتظاره للوحي عندما يحاول إيجاد حل من القرآن لمشكلة اعترضت له، والآية التالية تبين ذلك بوضوح شديد:يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ[32]، إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ، وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ، فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ، وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ، يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ، وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (النساء 4/176)الضلالة هي الافتراق عن طريق الحق بقصد أو بدون قصد[33]. ولإجابة على سؤال حول الكلالة، وهي من أصعب قضايا قانون الميراث الإسلامي، فإن الخطأ لن يكون سهلا على وجه خاص. لذا تكفل الله تعالى بالإجابة المباشرة على هذه الفتوى، والعلة أن لا يضل المفتون بالجواب. لقد تم تشكيل هيكل الفقه التقليدي بطريقة تتعارض مع الحكم الصريح لهذه الآية. وفقًا للتراث الفقهي فإن الإجابة التي سيقدمها محمد عليه الصلاة السلام على سؤال طرح عليه حول مسألة دينية هي سنة، لأن الألفاظ المتعلقة بالسُّنة هي لمحمد صلى الله عليه وسلم بينما المعنى أو المحتوى فمن الله تعالى، وهو الوحي الذي جعله الله تعالى في نفسه، لذا يطلقون عليه الوحي غير المتلو، لو كان هذا الادعاء صحيحا فهل يمكن أن يكون مثل هذا التعبير {يبين الله لكم أن تضلوا } موجودا في القرآن كتعليق على سؤال وُجِّه للنبي صلى الله عليه وسلم؟. أما موضوع السنة الذي تشكل على غير ما عرَّفها القرآن فقد تم أخذها إلى أبعد من ذلك ورُفعت فوق القرآن. ينقل الأوزاعي عن يحيى بن كثير ما يلي: “السنة قاضية على الكتاب وليس الكتاب قاضيا على السنة”[34] وبالرغم من أن السؤال في الكلالة كان موجهًا إلى شخص واحد فقط ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فمن المهم ألا يخاطب الله شخصًا واحدًا في قوله {يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ} لأن تفسير القرآن ، أي الوصول إلى الحكمة لا يمكن بالجهود الفردية. فقد كان على نبينا أن يشكل فريقًا للإجابة على هذا السؤال. دعنا نكرر الآية حول هذا الموضوع: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (فصلت 41/3) هذا الفريق كان من غير الممكن أن يتكون إلا من المسلمين الذين علمهم محمد عليه الصلاة والسلام الحكمة[35]. ذ_أدلة المفهوم التقليدي للسنة الآيات التي ساقها الإمام الشافعي كأدلة على الفهم التقليدي للسنة هي الآية 36 من سورة الأحزاب والآية 59 من سورة النساء. والآن لنحاول فهم هاتين الآيتين بحسب منهج الحكمة. 1_ الآية 36 من سورة الأحزاب: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}. تأتي كلمة الرسول بمعنى الرسالة وحاملها[36]، (يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ان الله لا يهدي القوم الكافرين ) وظيفةُ الرسل هي تبليغ كلام الله تعالى إلى الناس، لذا فإن أول ما يشير إليه مصطلح (رسول الله) في القرآن هو آيات الله المسطورة فيه. في التراث الإسلامي أصبحت كلمة (رسول) مرادفة لشخصية محمد عليه السلام، وبذلك تم إغفال علاقة المصطلح بالرسالة (القرآن). وقد تم افتراء سبب النزول التالي للآية السابقة ليكون دليلا على ما تشكل في أذهانهم من معنى الرسول: “عن ابن عباس قوله {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أمْرًا….} إلى آخر الآية، وذلك أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم انطلق يخطب على فتاه زيد بن حارثة، فدخل على زينب بنت جحش الأسدية فخطبها، فقالت: لست بناكحته، فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: فانكحيه، فقالت: يا رسول الله أؤمر في نفسي، فبينما هما يتحدثان أنـزل الله هذه الآية على رسوله {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ …} إلى قوله {ضَلالا مُبِينًا} قالت: قد رضيته لي يا رسول الله مَنكحًا؟ قال: ” نعم ” قالت: إذن لا أعصي رسول الله، قد أنكحته نفسي”[37]. هذه الرواية التي لم ترد في أي كتاب حديث نقلها أبو جعفر الطبري ، وضمَّنها في تفسيره المشهور بعد 225 سنة من الهجرة. هذه الرواية أسندها الطبري إلى ابن عباس الذي كان يبلغ من العمر 5_8 سنوات عند زاج زينب، ولم يكن قد هاجر بعد إلى المدينة حيث حدثت قصة زواجها. هذه الرواية تتفق تماماً مع ما قاله الشافعي: ” لا يختلف حكمُ الله ثم حكمُ رسوله، بل هو لازم بكلِّ حال”[38]. ومن الواضح أن هذه الرواية التي تفيد بأن زينب قبلت طلب النبي محمد واضطرت إلى الزواج من زيد ، تتعارض مع الآية التالية حول طلاق زيد من زينب. الآية على النحو التالي:{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ، فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} (الأحزاب 33/37) إذا كانت كلمة محمد -صلى الله عليه وسلم - ملزمة ، فقال لزيد: “أمسك عليك زوجك واتق الله” – ألا يكون عليه أن لا يطلق زينب بعد هذا الأمر. لأن استناد الشافعي وجميع الطوائف في فهم السنة إلى الآية 36 من الأحزاب يتطلب هذا. لكن زيدا الذي لم يطع أمر محمد عليه السلام وطلّق زينب لم يوجه إليه اللوم في الآية، بل إن الذي وجه إليه اللوم هو محمد صلى الله عليه وسلم. وبما أن الله أعطى زيدا سلطة تطليق زوجته لم يكن لمحمد الحق في منعه. لهذا السبب لم يستمع زيد لأمره الذي لا يتوافق مع القرآن. 2_ الآية 59 من سورة النساء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ، فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء 4/59) كلام محمد صلى الله عليه وسلم بصفته رسولا هو آيات الله تعالى (القرآن)، لذا كان السبيل الوحيد لإطاعة الله هو إطاعة رسوله. يقول الله تعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} (النساء 4/80) {مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ، وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} (المائدة 5/99) بناء على هاتين الآيتين والآيات المتشابهة معهما فإن رد الاختلاف إلى الله ورسوله يعني الرد إلى القرآن الكريم واعتباره الحكم عند الاختلاف في أي مسألة.لم يكن النبي محمد يخطئ في تبليغه الآيات بصفته رسول الله. لو فعل ذلك متعمدا لقطع الله وريده (الحاقة 69 / 44-47). كان محمد عليه الصلاة والسلام يبلِّغ الآيات بصفته رسولا، لكنه في الأوقات الأخرى كان يحمل صفة النبي، وفي الوقت الذي لا يمكنه الخطأ كرسول عندما يبلغ رسالة الله تعالى إلا أنه لا يستحيل عليه الخطأ خارج تلك المهمة، أي أنه لا يخطئ بصفته رسولا . لهذا السبب لا توجد آية واحدة تأمر بالطاعة المطلقة للنبي. بعد أن عقد النبي معاهدة الحديبية مع قريش وعودته إلى المدينة جاءت مجموعة من النساء المؤمنات من مكة إلى المدينة تاركات بيوتهن وأهليهن، وقد بايعت هؤلاء النسوة النبي بصفته نبيا ورئيسا للجماعة المؤمنة. وأما بنود هذا العقد وشروطه فقد ذكرها الله تعالى في خطابه للنبي:{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (الممتحنة 60/12) المعروف هو كل عمل يُعرف جماله بالعقل أو الشرع. وهذا يعني أن هؤلاء النساء كجميع المسلمين يمكنهم معارضة نبينا في الأمور التي يرون أنها تتعارض مع المعروف. وقد ضرب الله تعالى للناس في القرآن أمثلة حيَّة لتعينهم على فهم مراده من كتابه. يقول الله تعالى:{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا[39]} (الإسراء 17/89). يوجد في القرآن الكريم أربعة أمثلة على وجود الخلاف مع نبينا صلى الله عليه وسلم، لكن تم إخفاء هذه الأمثلة بطريقة ما، الآيتان 36 و 37 من سورة الأحزاب المتعلقتان بزيد بن حارثة وزيب رضي الله عنهما قد وقفنا عليهما آنفا، كما ورد ذكر كلمة “تنازع” في الآية 59 من سورة النساء، وتعني اختلاف المسلمين في أمر ما، وقد وردت هذه الكلمة في آيات أخرى. أما تلك المتعلقة بموضوعنا مباشرة فهي الأنفال 8/43 المتعلقة بغزوة بدر، وآل عمران 3/152 المتعلقة بغزوة أحد. وتتحدث آيات أخرى عن مسلمين لم يرغبوا بالخروج مع نبينا لملاقاة المشركين في بدر. بالإضافة إلى ذلك ارتكب المسلمون في معركة بدر ذنبين . دعونا نحاول فهم هذه الآيات من خلال سياقها: _ ما قبل معركة بدر عندما هم النبي بالخروج إلى بدر جادله فريق من المسلمين مبدين رغبتهم بعدم الخروج إلى هناك. قسمٌ من الآيات تناول الموضوع كما يلي:{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ. يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ. وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ[40] تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ[41] وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ. لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} (الأنفال 8/5-8)كان كل من المسلمين ومشركي مكة يعرفون جيداً “الحقيقة” التي تكررت في سياقات مختلفة في آيات أربعة. وقد كان إخراج المكيين جيشًا كبيرا بقيادة أبي جهل يهدف إلى منع تحقق هذا الواقع. نتعلم هذه الحقيقة من الآيات التالية التي نزلت في مكة:{ا لم. غُلِبَتِ الرُّوم. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ، وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (الروم 30/1-6) وفقا للمصادر التاريخية، استولى الفرس على القدس عام 614 م[42]، وهي السنة الخامسة لنبوة محمد عليه السلام. عندما أصبح هرقل إمبراطورًا لبيزنطة اتفق مع الخزر ضد الفرس وهزم الساسانيين (الفرس)، وذلك بعد تسع سنوات في العام 622 م[43]. وقد وقعت معركة بدر عام 624 م. ومن الواضح أن هناك خطأ لمدة عامين هنا. حيث كان من المفترض أن تكون غزوة بدر متزامنة مع انتصار الروم على الفرس، لأنه اليوم الذي سيفرح فيه المؤمنون، ونتوقع من مؤرخينا أن يحققوا في هذا ويكشفوا الحقيقة. ونظرًا لأن جميع الآيات التي نزلت تم تبليغها أيضًا إلى المكيين، فإن الحقيقة التي يعرفها الجميع كانت واحدة. بينما كانت قافلة تجارية كبيرة تابعة لقريش قادمة من الشام بقيادة أبي سفيان، انتشر الخبر بأن الرومان خرجوا لحرب الفرس. كانت قافلة قريش تتكون من 1000 بعير محملة. وبحسب الآيات 1-6 من سورة الروم ، كان الرومان سينتصرون في الحرب وسيكون المسلمون سعداء في ذلك اليوم. سعادة المسلمين لن تكون بالطبع احتفاء بانتصار الرومان، بل لحدث عظيم يخصهم تحديدا. إن معرفة المكيين بهذه الحقيقة مسبقا وضعهم في ورطة كبيرة. لقد كان من الممكن أن تذهب القافلة إلى أيدي المسلمين وحتى مكة نفسها. لذا أخرجوا جيشًا من 1000 شخص في وقت قصير. حقيقة أن عدد الجنود مساو لعدد الإبل في القافلة هو مؤشر على أنَّهم خرجوا لحماية القافلة. لقد خرج المسلمون نحو بدر من أجل القافلة تماما كأهل مكة، تقع بدر على بعد 160 كم إلى الجنوب الغربي من المدينة، على بعد 30 كم من البحر الأحمر، وقد كانت عبارة عن قرية صغيرة تقع على الطريق بين مكَّة والمدينة تستريح بها القوافل الذاهبة إلى الشَّام والقادمة منها. وحتى لا تقع القافلة في كمين المسلمين سلك أبو سفيان بها طريقا على ساحل البحر الأحمر بعيدا عن بدر، ونادرا ما تسلكه القوافل. الآيات التالية تناولت الموضوع كما يلي: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الأنفال 8/42). بعض المسلمين لم يرغبوا حتى بالخروج إلى القافلة، وكانوا قد جادلوا النبي في هذا الأمر. عندما وصلوا إلى بدر، كانوا متمركزين بين جيش مكة والقافلة. وكان من المؤكد أن الله سيمنُّ عليهم بأحدهما (القافلة أو الانتصار على الجيش) كما أكدته الآيات 1-6 من سورة الروم ، لكن المسلمين رغبوا بالاستيلاء على القافلة وليس مواجهة الجيش. دعونا نكرر الآيات ذات الصلة:{يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ. وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ[44] أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ. لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} (الأنفال 8/6-8) بخصوص القضاء على المشركين المكيين نزلت الآيات التالية في مكة، أي قبل الهجرة:{وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً. سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً} (17/76-77) قبل معركة بدر نزلت على نبينا الآية التالية:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} (الأنفال 8/65) وكان المسلمون قد كلفوا قبل بدر بقتال الكفار حتى لو كان على عشرة أضعاف من قوتهم، لكن لما رأى الله تعالى ضعف المسلمين خفف التكليف إلى ضعفين. نتعلم هذا من الآية التالية:{الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا، فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ، وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ، وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال 8/66) بحسب الآية فإن المسلمين كانوا مكلفين بقتال عدوهم حتى لو على ضعفين من قوتهم، لكن المكيين كانوا أكثر من ثلاثة أضعافهم. إذا علم المسلمون بذلك فإنهم سيقولون إن نبيهم يتصرف ضد القرآن وسيختلفون معه. ولمنع ذلك قلل الله عدد المشركين في أعينهم. نتعلم هذا من الآيات التالية:{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَـكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ. وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ[45] لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ}. (الأنفال 8/43-44) نتعلم من الآية التالية كيف رأى المسلمون جيش المشركين في بدر:قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا (في بدر) فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ} (آل عمران 3/13) . تشرح الآية 59 من سورة النساء هذه الآيات المتعلقة بموضوعنا بشكل واضح:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء 4/59) ضمير المخاطب الجمع في قوله تعالى {فإن تنازعتم} الوارد في الآية أعلاه توضحه الآية 43 من سورة الأنفال،: {لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْر} كما توضح مصير هذا التنازع فيما لو حصل. بحسب هذه الآيات فإن الأمر في قوله تعالى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} يحمل معنى سوى الأمر بإيجاد الحلول للقضايا المتنازع عليها من القرآن الكريم. بعد وضوح معنى السنة في القرآن الكريم ، فإن الكلمة الوحيدة التي يجب أن تقال لأولئك الذين ما زالوا يدافعون عن السنة بمعناها التقليدي هي: “أنتم مسؤولون عن التقصير في قول الحق أمام الله تعالى (وعند الله تجتمع الخصوم ولا يظلم ربك أحدا) وليس علينا سوى قول الحقيقة”. _ نبينا والمسلمون في معركة بدر {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (الأنفال 8/76). نتعلم كيف يمكن إثخان العدو وإفقاده القدرة على مواصلة الحرب من خلال الآيات التالية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ. وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ، وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (15-16) {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} (الأنفال 8/ 57) اتخاذ الأسرى قبل إثخان العدو هو مخالف للآية التي نزلت سابقا[46]، وهي قوله تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ…} (محمد 74/4) لو لم يكن هناك وعد مسبق من الله تعالى للمسلمين بالنصر لكانت قد حلت بهمة هزيمة في بدر بسبب ما ارتكبوه من مخالفة لسنن الله في نصر المؤمنين. علمنا هذا من الآية التالية:{لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (الأنفال 8/68) والكتاب المذكور في الآية هو الوعد الوارد في بدايات سورة الروم حيث سيكون انتصار الروم على الفرس موعدا لفرح المؤمنين بإكرام الله بالنصر على المشركين. وقد ورد تعبير {عَذَابٌ عَظِيمٌ} في 14 آية، سبعةٌ منها بحق الكافرين[47]، واثنتان بحق المنافقين[48]، وخمسة بحق مرتكبي المخالفات الكببرة [49]. والآية التي نحن بصددها من الخمس الأواخر. وفيما يخص اتخاذهم الأسرى قبل الإثخان في الأرض، جاء قوله تعالى معاتبا: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ} (الأنفال 8/76)، والآخرة هي المشار إليها في الآية التالية، والتي تنبئ عن سنة من سنن الله تعالى:{وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً. سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً}. (الإسراء 17/76-77) حوت هذه الآية وعدا بأن مشركي مكة لن يلبثوا خلاف النبي في مكة إلا قليلا إن هم أخرجوه منها، وهو ما أراده الله تعالى كنتيجة لمعركة بدر، أي قطع دابر الكافرين وفتح مكة وإخراج المشركين منها. لكن المسلمين لما لم يلتزموا قواعد النصر التي وضعها الله تعالى فوتوا الفرصة لقطع دابر الكافرين ودخول مكة فاتحين. ولو التزم المسلمون بالقواعد التي حددها للنصر لفتحت مكة على إثر معركة بدر، ولما كان هناك حاجة لمعركة أحد ولا الأحزاب ولا غيرهما. بالتوقيع على معاهدة الحديبية ، فُتحت الطريق لفتح مكة مرة أخرى. نتعلم هذا من الآيات التالية من سورة الفتح التي نزلت أثناء العودة من الحديبية:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} (الفتح 1-3) الخطأ الأول الذي حالت دون فتح مكة كان عدم تعقب العدو في بدر وقطع دابره (الأنفال 8 / 15-16) ، والخطأ التالي هو اتخاذهم الأسرى قبل إثخان العدو (محمد 47/4). وقد نصت سورة النصر على الشرط الذي يترتب عليه مغفرة الذنبين المتقدمين، ألا وهو فتح مكة:{إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}. (النصر 110/1-3) بما أن فهم السنة بحسب القرآن مخالف للتراث فقد تم إخفاء ما تضمنته هذه الآيات من تعريف السنة (من جهة تخطط للاسلام )بطريقة ما. _ معركة أحد لقد حدث في غزوة أحد وضعا مماثلا لما حدث في بدر. عندما تراجع العدو في البداية مدبرا، نشب الخلاف بين المسلمين. لم يتبعوا العدو حتى يقطعوا دابره، وبدلا من ذلك انشغلوا بجمع الغنائم التي تركها المشركون. وتصرفوا مرة أخرى على عكس الآيات ذات الصلة. عند سماع العدو بانشغال المسلمين بالغنائم عادوا منظمين وحملوا على المسلمين المبعثرين، وخصوصا أنه ليس ثمة وعد بالنصر هذه المرة كما كان الحال في بدر. تراجع المسلمون وتسلقوا الجبل وتحول انتصارهم إلى هزيمة. الآيات التي تصف هذه الأحداث كما يلي:{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا[50] وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (آل عمران 3/152-153) لقد فر المسلمون ،و النبي لم يسعه حينئذ إلا أن ينادي بهم بصفته رسول الله ويذكرهم بالآيات التالية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ. وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (15-16) {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} (الأنفال 8/57) لما سمع المسلمون هذه الآيات عادوا إلى الميدان وكانوا على موعد مع النصر. تكشف كل هذه الآيات بوضوح شديد أن الشيء الوحيد الذي يجب طاعته هو كتاب الله. الخاتمة كما يظهر فإن السنة والحكمة من المصطلحات الأساسية في القرآن الكريم، ومن خلال تجاهل الآيات ذات الصلة تم حذف هذين المفهومين تمامًا من أجندة المسلمين وتم إنشاء مفهوم جديد يسمى سنة محمد عليه السلام في الوقت الذي لا يمكن أن تكون سنته غير سنة الله (الإسراء 17 / 76-77 ، الأحزاب 33 / 36-37). كلام النبي محمد بصفته رسول الله هو آيات القرآن. كلماته من غير القرآن وممارساته هي الحكمة التي استخلصها من الآيات. تنص الآية 176 من سورة النساء على أن محمد -صلى الله عليه وسلم - إذا ما كان عنده علم من الوحي لا يجيب، أثناء محاولته الوصول إلى الحكمة. بالإضافة إلى ذلك ، لا يمكننا الوصول إلى أقواله وممارساته إلا من خلال سلسلة الرواة، {وبما ان هذا يعدل وهذا يجرح وهذا يجرح وهذا يعدل }حول مصداقية الأشخاص في تلك السلاسل، لأن توثيق الأشخاص بدينهم لا يعلمه إلا الله تعالى، كما لا يوجد(عقل موحد بعد الرسول ترضى به كل الناس) أي الملاذ الوحيد لتمييز الصحيح من المكذوب مما ورد إلينا من أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم هو عرضها على كتاب الله تعالى لنرى بعد ذلك إن كانت موافقة لنصه وروحه أو مخالفة، فتأخذ ما اتفق على اعتبار أنه حكمة مستنبطة منه، ونترك ما بدا مخالفا لنصوصه أو مقاصده. يمكننا أن نرى بوضوح أن الهيكل التقليدي قد فعل كل شيء لإبقاء أحكام الآيات بعيدة عن الأنظار من أجل الإبقاء على ما قرروه. كما هو الحال في الآيات المتعلقة بزيد وزينب أو ما يخص معركتي بدر وأحد. بناء عليه فالشيء الوحيد الذي يتعين علينا القيام به هو اختبار دقة المعلومات التي تصلنا من خلال تطبيق أسلوب الحكمة المتمثل بعرض كل ما يصلنا من معلومات وروايات على القرآن، لأنه الحقيقة المطلقة التي يقاس عليها وينضبط على ميزانه كل قول أو عمل. إذا فعلنا ذلك ، فسنضع القرآن في قلب حياتنا، وسنكون سعداء في الدنيا والآخرة. والذين لا يفعلون هذا فإنهم يخالفون سنة الله ولن يتخلصوا من متاعبهم واختلافهم المذموم وتفرقهم . ومحمد صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى الناس كافة عربهم وعجمهم، أبيضهم وأسودهم، الى قيام الساعة ،وكلهم يجب عليهم البحث والاجتهاد ؛ والتفصيل بشكل عام هو التوضيح والبيان، فكل شي مفصّل، أي واضح، بيِّن، ولكن كيف يكون ذلك فالتعبير ما زال غامضا، والجواب موجود في القرآن الكريم نفسه ( ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون) بتدبر الآيات يعني التأمل فيها، والغوص في معانيها، والتعمق في فهمها ؛والله يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب.يقول السعدي رحمه الله : " ... من آتاه الله الحكمة فقد آتاه خيرا كثيرا . وأي خير أعظم من خير : وفيه التخصيص بهذا الفضل ، وكونه من ورثــــــــة الأنبيـــــــــــــــاء الى يوم الدين؟! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [1] انظر لسان العرب، ابن منظور، مادة سنن [2] النساء 4/ 26، الأحزاب 33/38 [3] آل عمران 3/137، الأنفال 8/38، الحجر 15/10_15، الإسراء 17/76_77، الكهف 18/55، الأحزاب 33/60-62، فاطر 35/43، غافر 40/84-85، الفتح 48 /22-23 [4] المتتبع للآيات التي فيها الأمر بطاعة الرسول تأتي مطلقة عن القيد، بينما التي يذكر فيها الأمر بطاعة النبي تأتي مقيدة بالمعروف، وذلك لأنه بصفته رسولا يبلغ عن الله آياته فلا يزيد فيها ولا ينقص، فتكون طاعته في الحقيقة طاعة لله تعالى، أما بصفته نبيا فقد يأمر باجتهاده، ولأنه بشر يجري عليه ما يجري على جملتهم ، لذا كانت طاعته مقيدة بالمعروف، وهذا يسلط على ضرورة التفريق بين المصطلحين. [5] الإصر هو التكليف بالإيمان بالنبي القادم، وقد ارتفع الإصر بالإيمان بخاتم النبيين محمد، لأنه لا نبي بعده. [6] انظر (البقرة 2/89) [7] للمزيد حول هذا الموضوع ننصح بقراءة مقالة عبد العزيز بايندر (مصطلح الأُمِّيِّ في القرآن الكريم) على الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=3390 [8] أطالبه بمعنى أُجازيه [9] الظهار هو أن يقول الرجل لزوجته “أنت علي كظهر أمي” فيعتزلها بدون طلاق. ويمكن للرجل أن يعتزل زوجته لمدة أقصاها أربعة أشهر. في نهاية الأربعة أشهر إما أن يعود إلى زوجته أو يطلقها، ولا يبقى هناك خيار آخر، لأن الاستمرار بالانعزال عنها دون طلاقها فيه ضرر كبير. انظر سورة (البقرة 2 / 226-227) وعندما يعود الرجل لزوجته عليه أن يكفِّر ، وقد ورد تفصيل كفارة الظهار في سورة (المجادلة 2-4) [10] انظر سورة الحاقة 69/44-47 [11] انظر سورة البقرة 2/148 [12] انظر لسان العرب مادة نهج [13] سفر صموئيل الثاني 24/16-25 [14] في قلوب المنافقين مرضان: الكفر والكذب، أما الكافرون ففي قلوبهم مرض الكفر (البقرة 2/10) إن نشر الأخبار السيئة في المدينة كان عملا مشتركا بين بعض المنافقين والكفار. أولئك الذين يسيئون التصرف بهذه الطريقة يستحقون العقاب [15] العقوبة الدنيوية لا تطبق على أي شخص كافر أو منافق لمجرد كفره أو نفاقه. أما الذين سيعاقبون هم فقط أولئك الذين ارتكبوا جرائم. [16] كانوا يقومون بهذه الأنشطة لطرد النبي من المدينة المنورة. إذا لم يكفوا عن محاولاتهم تلك، فسيتم إخراجهم من هناك، ولن يتم الترحيب بهم أينما ذهبوا ، وسوف يُقتلون. [17] انظر الأحزاب 33/60-62، الفتح 48/22-23 [18] إلياس شلبي، سنة الله، DIA، بالتأكيد هناك تعريفات أخرى لكنها لا تخرج عن هذا، وقد امتنعت عن ذكرها مخافة الإطالة، حيث يمكن الرجوع إليها جميعا من خلال النظر في تفسير الآيات ذات الصلة من كتب التفسير المختلفة. [19] هذه الآيات هي كالتالي: آل عمران 3/164 ، الجمعة 62/2 ، البقرة 2/231 ، النساء 4/113 ، الأحزاب 33/34 [20] الشافعي محمد بن إدريس، الرسالة، تحقيق أحمد شاكر، مصر، 1/79 [21] الشافعي محمد بن إدريس، الرسالة، تحقيق أحمد شاكر، مصر، 1/79 [22] انظر البقرة 2/129 ، 152 ، آل عمران 3/164 ، الجمعة 62/2. [23] آل عمران 3/81 ، الأنعام 6/89. [24] الأنعام 6/55 ، 97 ، 98 ، 114 ، 119 ، 126 ، الأعراف 7/32 ، 174 ، التوبة 9/11 ، يونس 10/5 ، 37 ، هود 11 / 1-2 ، يوسف 12/111 ، الرعد 13/2، الإسراء 17/12، الروم 30/28 ، فصلت 41/3 . [25] الضمير في (منه ) يعود إلى القرآن، لأن صفة الإنذار والتبشير خاصة به (فصلت 41/4). وقد قام نبينا بهذه المهمة بالقرآن. وعلينا كمسلمين أن نتصرف مثله. [26] “شهداء” جمع شهيد، وهي هنا بمعنى أهل العلم (أحمد بن فارس. مقاييس اللغة ، مادة شهد). هذه الآية تقول للمشركين: إذا كنتم صادقين في دعواكم فادعوا من تعتبرونهم أعلم الناس وليكتبوا سورة مماثلة لتلك الموجودة في القرآن. إذا لم يستطيعوا فعل ذلك، فستفهمون أن هذا الكتاب هو كتاب الله تعالى، وعليكم الإيمان به، ومن يفعل فقد وقى نفسه من العذاب. [27] هود 11/13، الإسراء 17/88 [28] كلمة الكتاب جنس، والمقصود جميع الكتب التي أنزلها الله تعالى. [29] يرشد الله تعالى إلى التخلص من وساوس الشيطان بقوله: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ. وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ} (الأعراف 200-202) [30] آل عمران 3/48 ، النساء 4/113 ، المائدة 5/110 ، ص 38/20.[31] البقرة 2/129، 151، آل عمران 3/164، الجمعة 62/2. [32] الكلالة هو من مات وليس والد (أب أو أم) وولد (ابن أو بنت). إذا مات ولم يكن له أم ولا ولد فالآية 12 من سورة النساء تبين نصيب الأخوة لأم، وفي هذه الآية أيضا بيان لنصيب الأخوة لأب إذا لم يكن للمتوفى أب أو ولد. إذا لم تكن الأم على قيد الحياة فميراث الأخوة لأم يعطى بناء على الآية 12 من سورة النساء، وإن لم يكن الأب موجودا فالأخوة لأب يعطون نصيبهم بحسب الآية 176 من سورة النساء. [33] انظر المفردات، مادة ضل[34] سنن الدارمي، برقم 605، بيروت 1407 [35] انظر سورة البقرة 2/129 ، 152 ، وآل عمران 3/164 ، والجمعة 62/2 [36] مفردات الراغب، مادة رسل [37] أبو جرير الطبري، جامع البيان، تفسير الآية 36 من سورة الأحزاب [38] الإمام الشافعي، الرسالة، 1/104-105 [39] بالرغم من قيام الحجة على البشر ببيان الأحكام وضرب المثل عليها إلا أن أكثرهم يصم أذنيه عن سماع الحق ويختار الباطل. يقول الله تعالى {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (الزمر 39/45) [40] المقصود قافلة مكة التي كان يقودها أبو سفيان أثناء عودتها من الشام. انظر الأنفال 8/42 [41] كلمات جمع كلمة، وأقل الجمع في العربية ثلاثة، وهذا يعني أن ما يريد الله إحقاقه بكلماته ثلاثة أمور على الأقل، الأول هو فرح المؤمنين في اليوم الذي ينتصر فيه الروم على الفرس. والثاني ما تقتضيه الآيات (الإسراء 17/76-77) من إخراج المشركين من مكة، والثالث أن يفعل المسلمون ذلك بموجب الآية 191 من سورة البقرة. [42] ميدان لاروس ، الساسانيون ، ج. 11 ، ص. 24 1981 [43] ميدان لاروس القدس MD. ج 7 ، ص. 612 [44] المقصود بالطائفتين، قافلة قريش وجيشها [45] آل عمران 3/13 [46] لو لم تكن هذه الآية نزلت قبل بدر لما كان نبينا مدانا، لأن القرآن يقرر بشكل واضح أنه لا يدان المرء قبل وصول العلم اليقيني إليه (البقرة 2/120، 145، آل عمران 3/61، الرعد 13/37) [47] البقرة 2/7 ، 114 ، آل عمران 3/105 ، 176 ، المائدة 5/33 ، النحل 16/106 ، الجاثية 45/10 [48] المائدة 5/41 ، التوبة 9/101 [49] الأنفال 8/68 ، النحل 16/94 ، النور 24/11 ، 14 ، 23 [50] قوله تعالى {منكم من يريد الدنيا} تعبير عن الغنيمة، والمقصود هنا المنافقون وليس الصحابة رضي الله عنهم (التوبة 9/47-48)

الجمعة، 9 سبتمبر 2022

الإسلام استدلاليــــــــاً لا وراثيـــــــــاً

قبل الشروع في نشرالفكر المخالف(مــــن ؟يخالف مــــــــن؟) لدي ملاحظتين هامتين : الأولى: لا بد من الإشارة للقارئ المحترم"قبل أن تقرأ"هذه ة المعلومات(المخالفة للمَأْلُوف.. ) ولربما ستفاجئك استنباطات وحجج كاتبها(المخالف) المجهول في الساحة الاعلامية ؛فهذا لا يعني أنني اعتقدها او أتبناها أو أؤيد صاحبها او انتقص المخالف المشهورعندك..، (ولا أزال أذكرُ من سنوات بعيدةٍ أنني كنتُ في مجلس من المجالس دار الحديثُ فيه حول موضوع فقلتُ: لا يجب أن نأخذ كل ما جاء به العالمُ الفلاني مأخذ القطعِ لأنه هو ذاته يؤكّد على أن ما يقوله بناءً على ما تسعفهُ به اجتهاداته . فردّ أحدهم عليَّ غاضباً: إنك بهذا تقدحُ في علمائنا..! قلتُ: وأنت بهذا ترفع مقام العلماء إلى الأنبياء المعصومين..!) . إذا كنت تعبد الله كما أمرك، وتعتمد الدليل الشرعي قائدك ،فلا احد يستطيع ان يفرض الاسلام عليك بفهمه مهما سما قدره وعلا كعبه في العلم فلا بد له من فوات ( ولا ينفعك يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها) وقــــوة الحجــــة هي الفصـــــل ،بين المختلفين وليس الهروب بحجة لا تحاور من يثير الشبهات ولا تقرأ للمجهول ..و الاختباء وراء درع الســــــــــــلف .. كفاكم كذبا وتعصبا ونفاقا و تعنتا كفاكم ظلماً وجوراً وعدواناً كفاكم فتوى على المقاسات كفاكم أحلاما أنكم شعب الله المختار وراثياً ،كما قالت اليهود والنصارى من قبل.. كفاكم كفاكم كفاكم . اختلاف انتشر في الأمة أفقيًا وعمودياً في كل الفئات وعلى مختلف المستويات. تعددت أسبابه وتنوعت ألوانه واستعلمت فيه كل الوسائل من تكفير وتفسيق وتبديع وتشويه وتسفيه وما شئت من مصدر على وزن تفعيل. وأستعمل فيه الخصوم (المخالف) كل أدوات الدفاع والهجوم وضاقت بالحياد فيه الأرض بما رحبت فالكل متهم والكل براء وأعجز داء الأمة الدواء فحضر الشهود إلا شاهد العقـــــــل واستحضرت الحجج إلا حجة الإنصـــــاف ( وما أبرئ نفسي ). عوْد على بَدْء وأجمل فيما يلي مختصركلام بعض أهل العلم ومن أهمها: ....العقل المتحرّر من التقليد والتعصب وتقديس الرجال – كما هو معلوم –يقبل قول المخالف إذا كان الحق في جانبه: فمن أهم آداب الباحث عنه: (الإنصاف بالإقرار بصواب المخالف). وذلك باعتماد قوله بغض النظر عن شخصه أو فكره في غير المسالة محل النظر ، يقول ابن حجر العسقلاني -رحمه الله-: " الحكمة قد يتلقاها الفاجر فلا ينتفع بها وتؤخذ عنه فينتفع بها وأن الشخص قد يعلم الشيء ولا يعمل به وأن الكافر قد يصدق ببعض ما يصدق به المؤمن ولا يكون بذلك مؤمنا وبأن الكذاب قد يصدق" . ولنا في منهج الشيخ الشنقيطي -رحمه الله- تطبيقا عمليا لهذا المنهج، حيث يقول في بيان منهجه في التفسير: " ونرجح ما ظهر لنا أنه الراجح بالدليل ، من غير تعصب لمذهب معين ولا لقول قائل ، معين لأننا ننظر إلى ذات القول لا إلى قائله ، لأن كل كلام فيه مقبــــــــــــــول ومـــــــــــــــــــردود إلاّ الوحي ومعلوم أن الحق حق ولو كان قائله حقيرًا ، ألا ترى أن ملكة سبأ في حال كونها تسجد للشمس من دون الله هي وقومها لما قالت كلاما حقا صدقها الله فيه، ولم يكن كفرها مانعا من تصديقها في الحق الذي قالته"فمن العدل عند طلب الحق: (قبول الحق من الحبيب والبغيض)، يقول ابن القيم -رحمه الله-: " فعلى المسلم أن يتبع هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في قبول الحق ممن جاء به من ولي وعدو وحبيب وبغيض وبر وفاجر، ويرد الباطل على من قاله كائنا من كان . والثانية : الكثير يسال عن المقتبس من نتاج غيره هل يحتاج إلى إذن الجواب :فلو كتب الباحث مقالا اعتمد فيه على ما كتبه غيره، ولكنه جمع فيه المفترق، ورتب المختلط، ولخَّص المطول، ويسر المتعسر، وإعادة الصياغة والترتيب ،وهــذب الفاظــه، لتعم الفائد ،وتبرأت الذمة خوفا من كتمان ماعلم ، فلا حرج في ذلك، ولا يلزمه أن ينسب كل فائدة أو نقل لصاحبه، ،وهذا مقصد معتبر من مقاصد التأليف،والتي هي سبعة جمعها قولهم: ألا فاعلمن أن التآليف سبعة * لكل لبيب في النصيحة خالص. فشرح لإغلاق، وتصحيح مخطئ * وإبداع حبر مقدم غير ناكص. وترتيب منثور، وجمع مفرق * وتقصير تطويل، وتتميم ناقص. وقال الشوكاني في البدر الطالع: ما زال دأب المصنفين يأتي الآخر فيأخذ من كتب من قبله, فيختصر، أو يوضح أو يعترض، أو نحو ذلك من الأغراض التي هي الباعثة على التصنيف, ومن ذا الذي يعمد إلى فن قد صنف فيه من قبله فلا يأخــــــــــــــذ من كلامـــــــــــــــــه. اهـ. ================ هل للغة العربية قدسية خاصة؟ (ملخص) قال صاحب المقال: لماذا جاءت "معجزة" سيدنا محمداً الخالدة معجزة لغوية (كلامية)؟ جواب: ربما يصل القارئ لهذه الصفحات إلى إجابة أفضل من تلك التي تداولها الفكر الإسلامي منذ زمن طويل. أما بعد، لعلنا نسأل القارئ الكريم عن سبب أنْ تكون معجزة سيدنا محمد قرآناً "لغة". فلقد تداول الفكر الإسلامي منذ زمن طويل جواباً قد لا يرضى –على ما نظن- صاحبه. فكان التعليل عند أهل الدراية كما نقله أهل الرواية عنهم فحواه لأنّ قريشاً كانت بارعة في علم البلاغة والكلام، فهذا قول – في رأينا- فيه من السذاجة ما فيه، وأبسط ما يمكن أن ينقض دعواهم تلك سؤال بسيط مفاده: هل الله - سبحانه وتعالى- بحاجة أنْ يتحدى قريشاً ليثبت أنّه أكثر براعة منهم في الكلام؟ وبالمنطق نفسه نقول: هل كان الله بحاجة أنْ يتحدى قوم فرعون ليثبت أنّه أكثر براعة منهم "بالسحر"؟ وهل كان الله بحاجة أنْ يتحدى قوم عيسى ليثبت أنّه أكثر براعة منهم بالطب؟رأينا: معــــــــــــــاذ الله. الدليل أولاً، ربما يأتي الدليل على ما نقول من الحقيقة الثابتة وهي أنّ هذا القرآن الكريم ليس كتاباً خاصاً بقريش بل هو للناس كآفة:وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ -سبأ 28 فكيف إذاً يكون القرآن الكريم معجزاً حتى لغير أبناء اللغة العربية؟ رأينا: إنّ افتراض أنّ القرآن الكريم معجزة لغوية لأنّ قريشاً بليغة اللسان يعني أنّ القرآن لا يتعدى إعجازه قريشاً، فهو إذاً ليس معجزاً لي لأني لا أملك لسان قريش، وهو إذاً ليس معجزاً للإنجليز أو الألمان أو الروس وغيرهم ((وكل الفرنجة) لأنهم بكل بساطة لا يملكون لسان ولا فصاحة قريش. ونحن على يقين أنّ التحدي بإعجاز هذا القرآن لم يكن خاصاً بقريش فقط بل جاء متحدياً بإعجازه للإنس والجن كآفة: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا الإسراء 88 والتساؤل البسيط هو: كيف يمكن أنْ يأتي التحدي بالإعجاز لغوياً لأمم لا تعرف اللغة العربية أصلاً؟ أي كيف يمكن لهذه الأمم أنْ تأتي بمثل هذا القرآن ما داموا لا يعرفون حتى الكلام باللسان العربي؟ إنّ مثل هذا التساؤل يدعونا للنظر مرة أخرى في كيفية إعجاز القرآن الكريم، أي كيف يتحدى الله كافة الأمم (إنسها وجنها) نظم سور مثل سوره ما داموا أصلا لا يعرفون حرفاً من حروف العربية؟ فهل تستطيع أنت كعربي أنْ تأتي بمثل أي كتاب (أو جزء من كتاب) كُتِب باللغة الصينية أو الفارسية أو الإنجليزية وأنت لا تعلم تلك اللغة؟ إنّ مثل هذا التحدي إذاً باطل ليس فقط بالنسبة للقرآن الذي مصدره إلهي وإنما لأي كتاب إنساني. إنّ التحدي اللغوي في القرآن الكريم ليس في كونه ميسراً باللسان العربي وإنّما بشيء أكبر من ذلك بكثير. فما هو؟ قبل الإجابة على هذا التساؤل الكبير جداً، لعل من المفيد في هذا السياق التعرض (برأينا) للغة العربية التي بها أُنزل هذا الكتاب، لنطرح التساؤل التالي: هل اللغة العربية لغة مقدسة لأنه بها نظم كتاب الله الخاتم (أي القرآن الكريم)؟ وهل غيرها من اللغات أقل منها قدسية إذن؟ وهل لو اقتضت مشيئة الله أنْ ينزل هذا الكتاب بلغة أخرى (غير العربية) ألا يكون عندها معجزاً؟ وبكلمات أدق، هل جاء الإعجاز من اللغة نفسها أم من منزل الكتاب؟ تفنيد الفكر السائد لقد ذهب المغرمون بالعربية إلى أبعد مما يجب، حتى درجوا على الربط الذي لا يكاد يفك عراه بين العربية كلغة والقرآن الكريم ككتاب إلهي؟ فتغنوا بها وطيروها وطاروا بها، وتغنى القوميون منهم بالقول: وسعت كتاب الله لفظاً وغاية وما ضقت عن آي به وعضات وتحدث عنها الخطباء على المنابر، واقتبسوا مثل هذه الأقوال في خطبهم وحماسهم للدين، ونسوا ما جاء في كتاب الله ذاته: قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا الكهف 109 وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لقمان 27 فهل بعد هذا القول من الحق سبحانه يمكن للعربية (أو حتى لـ أي لغة) أنْ تسع كلام الله؟ ثانياً، وماذا ستكون ردة فعل أولئك المتطيرين بلغتهم لو جاء الإدعاء من غيرهم بأنّ الله قد أنزل كتبه وصحفه الأخرى (كالتوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم) بلسان غير عربي؟! فهل كانت تلك الألسنة أكثر قداسة من العربية آنذاك؟ وهل تنتقل القداسة من لغة إلى أخرى بتغير الزمان والأمم؟ وماذا لو زاد أحدهم القول أنّ الله قد "خط بيده" لأمم أخرى بلسانهم كما حصل في حالة ألواح موسى؟ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ الأعراف 145 فهل تكون تلك اللغة (ولنقل أنّها كانت لغة موسى آنذاك) أكثر قدسية من لغة الأمم الأخرى؟ ثالثاً، ولننظر إلى الأمر من زاوية أخرى، أليست العربية التي أنزل بها القرآن الكريم هي نفسها العربية التي كان يتحدث بها أبو جهل وأبو لهب وأمية بن خلف؟ و أليست اللغة التي كتب الله بها لموسى الألواح هي نفسها التي كان يتخاطب بها موسى وأخيه هارون مع فرعون من قبل والسامري من بعده؟ فأين تكمن القدسية إذاً في لغة أبي جهل وأبي لهب وابن خلف؟ وأين كانت تكمن قدسية لغة خطاب فرعون والسامري؟ (أرجو أن لا تقتبسوا هذه الفقرة بمعزل عن النص الكامل الذي وردت من أجله) ربما قد يثير مثل هذا الكلام حفيظة المتحمسين للغتهم، ولكن جل ما أود إثارته هو أنّ كتاب الله هذا (القرآن الكريم) لا يكمن إعجازه – في رأينا- بكونه عربي ولا يكمن إعجاز ما جاء في ألواح موسى كونها كتبت بالعبرانية، ولم يكمن إعجاز كتاب أنزله الله كونه كتب بالعربية أو العبرية أو الآرامية أو الفارسية أو حتى الانجليزية والألمانية والصينية والروسية وغيرها. تنزه وتجلى الإله أنْ يتخذ قدسية للغة من هذه اللغات، قال تعالى : فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا مريم 97 فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ الدخان 58 وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إبراهيم 4 ألا يعني ذلك أنّ محمداً رسول كباقي الرسل أرسل بلسان قومه ليبين لهم: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ آل عمران 144 فأين إذاً يكمن الإعجاز في لغة القرآن أو حتى الإنجيل والتوراة والألواح وصحف إبراهيم وزبور داود؟ إننا نزعم الظن بأنّ القرآن الكريم جاء بلسان محمد كما جاء الإنجيل بلسان عيسى والتوراة بلسان موسى والصحف بلسان إبراهيم والزبور بلسان داوود، ولكن لم تكن أي من هذه اللغات هي لغة الله نفسه على الرغم أنهم بمجملهم من عند الله، فالله سبحانه قد يسّرهم بلسان أقوام الأنبياء الذين أرسلوا إليهم، ولكنهم جميعاً جاءوا من مصدر واحد، المصدر الذي منه ينبعث نور الله، أي العلم الذي انطوت عليه تلك الكتب مجتمعة، فأخفق من أرسلت إليهم تلك الكتب في حفظ كتبهم كما أُنزلت إليهم، وتكرم الله على هذه الأمة بأنْ تعهد لها حفظ كتابها: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[1] الحجر 9سؤال: من أين جاءت جميع كتب الله؟ ما هو المصدر الذي جاءت منه جميع هذه الكتب؟ فنحن نعرف أنّ هناك القرآن والإنجيل والتوراة والألواح والصحف والزبور وجميعها جاءت من مصدر واحد، أليس كذلك؟ ألا يحق لنا عزيزي القارئ أن نطرح التساؤل التالي: هل - يا ترى- يمكن أنْ يكون كل من هذه مكتوب (في المصدر) باللسان الذي يسره الله به؟ أي هل كان الإنجيل في ذلك المصدر الإلهي الذي جاء منه آراميا؟ وهل كان التوراة في ذلك المصدر عبرانياً؟ وهل كان القرآن في ذلك المصدر عربياً؟رأينا: نحن نظن أن الجواب هو النفي بكل تأكيد، لذا نحن نتجرأ من عند أنفسنا أن التوراة والإنجيل والقرآن (وجميع كتب الله) كانت في المصدر منسوخة بلغة واحدة، ولكنَ الله – كما ذكرنا سابقاً- يَسَّر كلا منها بلسان قوم النبي الذي أرسله الله إليهم.((( إذ قال: {إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون} (الزخرف 3) أي كان له وجود مسبق قبل أن يكون عربياً فجعله عربياً “أي في صيرورته” وهذا معنى الجعل) )) ويقودنا هذا الطرح إلى سؤالين اثنين: 1. ما هو ذلك المصدر؟ 2. وما هي تلك اللغة؟ للإجابة على هذين السؤالين فإننا ندعو القارئ الكريم إلى إمعان النظر في بداية سورة البقرة: الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) البقرة 1-2 فما هو الكتاب الذي تشير إليه الآية الكريمة؟ تفند الفكر السائد لقد درج جل الفكر الإسلامي على فهم هذه الآية على أنها تتحدث عن القرآن الكريم، وقليل من ظنّ أنها تتحدث عن التوراة والإنجيل (انظر مثلاً تفسير ابن كثير). أي أنّ الكتاب المذكور في هذه الآية هو القرآن الكريم، وقد أجهدوا أنفسهم للإجابة على استفسار جلي هو: لِمَ إذن أُستخدم أسم الإشارة "ذَلِكَ" بدلا من "هذا" مع العلم أنّ القرآن الكريم أصبح بين أيدينا؟ فقدم عدد من المفسرين بعض الملاحظات التي ظنوا أنها تسوغ استخدام اسم الإشارة "ذَلِكَ" للحديث عن القريب بجملة من المجازات (في حين أن لغة آباءهم وأجدادهم تستخدم المفردة للإشارة للبعيد)[2]، ولكن يبقى السؤال قائماً: لِمَ لَمْ يقل الله تعالى "الم. هذا الكتاب لا ريب فيه"؟ ولعلنا نحتاج هنا أنْ نجلب انتباه القارئ الكريم إلى أنّ هذه الصيغة وردت في مواطن أخرى من القرآن الكريم: وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ الأنعام 92 ولنتدبر كذلك الآيات التالية: وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ الأنعام 155 وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ الأحقاف 12 ففي هذه الآيات يرد لفظ وَهَذَا كِتَابٌ للدلالة على القرآن الذي أنزل باللسان العربي ولم تستخدم اسم الإشارة "ذلك"، فهل كان من الضروري إذاً استخدام اسم الإشارة "ذلك" في بداية سورة البقرة إنْ كان المقصود هو القرآن الكريم؟ وهل يحتاج علماء الإسلام إجهاد أنفسهم لتسويغ هذا الاستخدام لليّ أعناق النصوص؟ رأينا: نحن نعتقد أنّ كلام الله دقيق، فالله يقصد ما يقول، فـ "هذا الكتاب" تعني "هذا الكتاب" و"ذلك الكتاب" تعني "ذلك الكتاب" وكفى. وإلاّ كيف يمكن ربط هذه الآيات القرآنية بالآية التالية؟ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا الكهف 49 فما هو هذا الكتاب الذي يشير إليه المجرمون في هذه الآية الكريمة؟ ولنتدبر أيضاً الآية الكريمة التالية:هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ الجاثية 29 فما هو هذا الكتاب الذي سينطق علينا في ذلك اليوم الرهيب؟ أليس هو ما كان منسوخ به جميع ما كنا نعمل في الحياة الدنيا؟أما التساؤل المثير الآخر فهو: ما هي "الم" التي وردت في مطلع سورة البقرة قبل الإشارة إلى ذلك الكتاب الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) البقرة 1-2 تفنيد الفكر السائد فقد اعتقد معظم من تصدى للإجابة على هذا التساؤل المثير أنّ الله وحده يعلم ماهية هذه الأحرف، وغالباً ما جاء خطابهم صريحاً أو ضمنيا بالبحث في هذا المجال، فمادامت أن عقولهم العظيمة قد قصرت عن إدراك حقيقة هذه الأحرف المتقطعة، فهل – يا ترى- ستستطيع عقول صغيرة (من أمثال عقلي مثلاً) أن تدركها؟رأينا: غن كان الأمر على هذا النحو فإننا نحن نرد عليهم بالمنطق.. من عند أنفسنا التالي: هل هذه الأحرف جزء من القرآن؟جوابهم: لا شك إنها جزء من القرآن سؤالنا: إذا كانت جزء من القرآن، لما لا تخضع لقول الله تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا النساء (82) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا محمد (24) منطقنا ..: مادامت تلك جزء من القرآن فلابد أن نتدبرها بأن نفتح قلوبنا ولا نقفلها رأينا: إننا نعتقد جازمين أنّ طرحنا السابق ربما يحل "اللغز" (كما صوره لنا علماؤنا الأجلاء) ويزيل الإبهام ويوجه النشء في الاتجاه الصحيح. ولكن كيف؟ .. من عند أنفسنا (1): إننا نعتقد أنّ الكتاب الذي ذكر في بداية سورة البقرة " ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ" هو ليس القرآن ولا الإنجيل ولا التوراة وإنما المصدر الذي جاءت منه جميع الكتب السماوية (الصحف والزبور والتوراة والإنجيل والقرآن). ..من عند أنفسنا (2) وإن صح هذا المنطق فإننا ..القول أيضاً أن "الم" التي جاءت في بداية سورة البقرة (وكذلك جميع الحروف المتقطعة في بداية بعض سور القرآن الكريم) هي لغة ذلك الكتاب المصدر. أي هي لغة الصحف ولغة الزبور والتوراة والإنجيل كما هي في مصدرها الإلهي، وهي كذلك لغة القرآن الكريم كما هو في مصدره الأصلي الذي جاء منه. وربما لهذا يصعب علينا (حتى الساعة بعد مرور أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمن) فهمها ومعرفة المقصود منها. .. من عند أنفسنا (3): لما كانت جميع الكتب السماوية التي تلقاها بنو البشر مكتوبة بتلك اللغة، كان من الصعب على بني البشر فهم تلك الكتب إنْ هي نزلت بتلك اللغة الأم، فقدّر الله مشيئته أنْ يُيسِّرها لكل نبي بلسان قومه. فهذه الكتب تحوي كلام الله ولكن كما يُسِّر بلسان قوم نبيه الذي أُنزل عليه إحدى هذه الكتب. فكلمة الله موجودة في صحف إبراهيم ولكن بلسان قوم إبراهيم، وكلمة الله في زبور داود ولكن بلسان قوم داوود، وكلمة الله في التوراة ولكن بلسان قوم موسى، وكلمة الله في الإنجيل ولكن بلسان قوم عيسى، وكذلك كلمة الله في القرآن ولكن بلسان قوم محمد. ولله المثل الأعلى، فتلك الكتب هي الترجمة الحق لكتاب الله الحق كلٌ بلسان قوم الرسول الذي يسره الله بلسانه. أي أنّ كتاب الله مترجم لنا إلى العربية كما كان الإنجيل ترجمة لكتاب الله إلى الآرامية والتوراة إلى العبرية. إننا نزعم القول إذاً أنّ "الكتاب" الذي ورد في أوائل سورة البقرة هو المصدر الذي جاء منه القرآن الكريم ولكنه يُسِّر (بمشيئة الله) بلسان قوم محمد، وحتى يقتنع القارئ ببعض ما نزعم هنا، فإننا نذكِّره بقول الله تعالى في الآية التالية: وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ يونس 37 وهنا نوجه انتباه القارئ الكريم إلى صفة الكتاب الذي ورد في هذه الآية في قوله تعالى "الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ"، أليس هو إذاً نفس الكتاب الذي ورد في بداية سورة البقرة (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ)؟ وإذا كان هذا الافتراض صحيحاً، فكيف يكون ذلك الكتاب هو نفسه القرآن؟ ألا تدل هذه الآية الكريمة أنّ القرآن شيء (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى) وذلك الكتاب شيء آخر (وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ)؟ والأهم من ذلك كله ألا تعني هذه الآية الكريمة أنّ القرآن هو تفصيل لذلك الكتاب الذي لا ريب فيه؟ فالله سبحانه في هذه الآية الكريمة يثبت ثلاث حقائق تخص القرآن الكريم: 1. استحالة أنْ يفترى هذا القرآن من دون الله (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ) 2. أنّ القرآن هو تصديق الذي بين يديه (وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) 3. أنّ القرآن هو تفصيل الكتاب الذي لا ريب فيه (وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) وما نحن بصدده الآن هو طرح التساؤل التالي: كيف يمكن أنْ يكون القرآن هو تفصيل الكتاب إن كنا نزعم (كما أفهمنا بعض علماؤنا الأجلاء) أنّ ذلك الكتاب هو القرآن نفسه؟! رأينا: إننا نريد أن نخلص إلى نتيجة مفادها أنّ القرآن الكريم شيء وذلك الكتاب شيء آخر، وما القرآن الكريم إلا تفصيلاً لذلك الكتاب. ولتأكيد الفكرة في ذهن القارئ الكريم نورد الآيات التالية: أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ الأنعام 114 الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ هود 1 وحتى يأتي التأكيد بأنّ ذلك التفصيل كان بلسان قوم الرسول: حم (1) تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) فصلت 1-3 وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ فصلت 44 والملحوظ الدقيق هنا هو أنّ الآية الكريمة تثبت أنّ العربية أو العجمة ليست هي المهم وإنما "هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء" ولعلنا جميعاً نتفق أنّ الذين أمنوا ليسوا جميعاً عرب اللسان. فالقرآن الكريم بآياته هدى شفاء للذين أمنوا بغض النظر عن لسانهم من أمثال بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي، وهو عمى على الذين لا يؤمنون حتى لو كانوا بفصاحة سهيل بن عمرو وعمرو بن هشام وأمية ابن خلف وأبي لهب (عم النبي محمد نفسه). فالعرب كانوا سيطلبون قرآناً بلسان عربي لو لم يكن عربياً، وكذلك سيطلب العجم قرآناً أعجمياً ما دام أن المتوافر هو قرآن عربي، وهكذا. فكيف إذاً ستحل هذه الإشكالية؟ .. من عند أنفسنا: إننا نعتقد جازمين أن الجواب البسيط يكمن في الفهم أنّ العربية أو العجمة ليست هي الأمر الحاسم، وإنما المهم بالأمر هو تفصيل الآيات. ونحن نقصد بذلك تفصيل كتاب الله (المرجع الأصلي) إلى الكتب التي أنزلها الله بلسان قوم النبي أو الرسول، وهذا يعني بمنطقنا .. هذا أن التفصيل في القرآن تعني إذاً تحويل النص الأصلي إلى نصوص أخرى يستطيع الناس فهمها ما داموا أنهم يتحدثون لغات مختلفة. أي الترجمة ربما يحل مثل هذا الطرح إشكالية أخرى نظن أنها أجهدت الفكر الإسلامي قروناً من الزمن تتمثل في التساؤل التالي: هل القرآن الكريم بحرفيته هو قول الله كما صدر من الإله نفسه؟ فهل فعلاً قال الله لموسى "اضرب بعصاك البحر" بتلك الحرفية؟ وهل قال الله لنوح "احمل فيها من كل زوجين اثنين" بتلك الحرفية؟ وهكذا. (وسنتعرض بالتفصيل لهذا الأمر لاحقاً)والسؤال التالي يكون إذاً: كيف جاء القرآن الكريم تفصيلاً لذلك الكتاب؟ أي ما هي ماهية ذلك التفصيل؟ وماذا يترتب على هذا الظن .. من عند أنفسنا؟رأينا: نحن نظن أن الآية الكريم التالية ذات علاقة وطيدة بالموضوع قيد البحث، قال تعالى:وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ الأعراف 52 فهذه الآية الكريمة هي في رأينا دليل حاسم على أنّ هذا التفصيل ليس اعتباطياً أو ظنياً أو إتباعا للهوى وإنما هو "علم خالص" (بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ). وجل ما نسعى إليه أو ما يجب أنْ يبحث عنه من يتصدى لهذا العلم أنْ يحاول أن يستكشف ماهية هذا العلم، ونحن نظن يقيناً أنه حقل أوسع بكثير من العلوم الطبيعية كالرياضيات والفيزياء وحتى أوسع من العلوم القرآنية الأخرى كعلوم الفقه والعقيدة، إنه علم "تفصيل الكتاب". (دعاء: أسأل الله رب أن يعلمني كيف فصلت آيات الكتاب قرآناً عربياً، وأن يعلمني من لدنه علماً لا ينبغي لغيري إنه هو السميع العليم)وربما يبادرانا الكثيرون بالسؤال: وهل هذا ممكن؟ فنقول رداً على ذلك دعنا نقرأ الآية التالية للآية السابقة من سورة الأعراف: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ الأعراف 53 تدلنا الآية الكريمة أن هناك تأويل (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ) وأنه لابد حاصل (يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ)، وهذا ما نرغب نحن بتسميته علم التأويل(دعاء: أللهم رب إني اشهد أن رسلك قد جاءت بالحق، فأنت وحدك أسأل أن تعلمني التأويل، إنك أنت الحكيم العليم)فالآية السابقة تثبت إمكانية التأويل، ولكن قد يسبقنا البعض بالقول أنّ هذه الآية تتحدث عن إمكانية التأويل ولكن في الدار الآخرة، فهؤلاء الذين ينظرون تأويله –كما تشير الآية الكريمة- سيأتيهم ذلك التأويل ولكن بعد فوات الأوان. فنقول أنّ ذلك صحيح، ففي ذلك اليوم الرهيب ستتكشف الأمور للجميع، ولكن يبقى ما يهمنا في هذه الجزئية هو: هل سنتمكن نحن من تأويله أو حتى جزء منه في الحياة الدنيا؟ نقول نعم بكل تأكيد، فالله سبحانه يقول: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ آل عمران (7) (دعاء: أللهم رب أسألك وحدك أن تنفذ قولك بمشيئتك وإرادتك لي أن أكون أكثر أهل الأرض علماً بتأويله إنك أنت العليم الحكيم) *** *** *** عودة على بدء إننا نفترض هنا أنّ القرآن الكريم جاء معجزة لغوية لأنها أعظم معجزة وجدت منذ خلق الله آدم عليه السلام، فهي أصلاً أساس الخلق وسببه، وهي نهاية الكون وفناء الحياة على الأرض. وهي العلم الحقيقي المسيّر للكون وما فيه، فنحن نفترض هنا أنْ القرآن الكريم يحتوي على ذلك العلم الذي نبحث عنه "وهو معرفة سر العلاقة بين الأشياء ومسمياتها"، فهو يحتوي على الشيفرة التي بها تفك أسرار الحياة والكون ولا ننسى أنه في الأساس والجوهر كلام ولكن كلام من؟ إنه كلام الله الأبدي الذي تكفل الله بحفظه. قد يجيب هذا الافتراض على تساؤل خالج الكثيرين وهو: لماذا لا نرى معجزات كالتي كانت تحصل زمن العصور السابقة؟ ففي زمن الأنبياء السابقين كان هناك ما يسمى خطأً "معجزات" وحقاً آيات وبينات، لماذا لا تتحقق الآن؟ وهل فعلاً ولى زمن ما سمي بـ "معجزات"؟رأينا: إنّ الجواب ضمن الافتراض الجديد بسيط، "فالمعجزات" (كما يرغب في تسميتها الكثيرون) كلها موجودة في القرآن الكريم، ولكنها بحاجة إلى فك رموز تلك الشيفرة، فإن استطعنا اكتشافها كان القرآن كله معجزة وفيه الوسيلة على إحداث معجزة في كل شيء، وبالتالي الهداية إلى كل شيء، ليس فقط لأصحاب اللسان العربي وإنما للناس كآفة: الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ يونس (1) ويجب أنْ ندرك أنّ هذه الشيفرة هي غاية في التعقيد ، فلن نستطيع أنْ نفكها كلها ولكن قد نصل إلى تأويل بعضها ولهذا قال تعالى:قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا الإسراء (88) نحن نظن أن القرآن الكريم (وإن كان مكتوب باللسان العربي) فشيفرته ليست عربية وإنما حقيقية عالمية لكافة الخلق (الإنس والجن) بغض النظر عن لسانهم. لتوضيح الفكرة فإننا نقدم المثال التالي (ولله المثل الأعلى)، فهل إن كتب اينشتاين معادلة فيزيائية باستخدام الرموز الإنجليزية (Z, Y, N…) والأرقام العربية (1, 2, 3, …) تصبح تلك المعادلة إنجليزية أو عربية ولا يستطيع الصيني أو الهندي فهمها؟ وهل إن كتبت معادلة رياضية بالرموز الإنجليزية تصبح خاصة بالإنجليز دون الأمم الأخرى؟ رأينا: إننا نسعى من خلال هذا النقاش .. من عند أنفسنا للتأطير للفكرة التالية: إن تفصيل الكتاب قرآناً عربياً لا يعني بأي حال من الأحوال أنّ العرب فقط من يستطيعوا فك شيفرته وإلا لجاء التحدي من الله خاصاً بالعرب فقط. ولكن لما كانت تلك الشيفرة موجهة للخلق كافة فلا بد أن يشترك في فكها الخلق كافة، ولن يتم ذلك إلا عند فك عرى الترابط بين القرآن ككتاب موجه للبشر كافة واللغة التي يسر بها كلغة خاصة بقومية محددة وهم العرب. وهنا نتوقف قليلا لنؤكد على الفكرة الهامة جداً التالية: إن هناك ثلاث مستويات للفهم في القرآن الكريم غالباً ما خلط المفسرون بعضها ببعض، والمستويات الثلاث هي: - مستوى التفسير: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33) - مستوى التأويل: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ. - مستوى التفصيل:حم (1) تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) وسنتعرض للتفريق بينهما لاحقاً لنبين كيف يجب التعامل مع القرآن الكريم ككتاب يحتوى على أسرار هذا الكون وعجائبه (فالله اسأل أن يعلمني من لدنه علما لا ينبغي لغيري إنه هو السميع العليم) ونحن نجزم بإيمان ثابت أنّ فك تلك الشيفرة (علم التفصيل) سيقودنا إلى العلم الحقيقي الذي ظل الفكر البشري يطمح ويجهد للوصول إليه، فالعلم الحقيقي (في الطب والهندسة والرياضيات والفلك وحتى الجن) مرهون بفك تلك السر. ولكن هل الاسرارعربية؟ إن هذا السؤال يفضى إلى نقاش ضروري حول ماهية القرآن الذي أنزل على محمد *جدلية الكتاب والقرآن هل ما نمسكه بأيدينا قرآن؟ أي هل المكتوب بين دفتي المصحف الشريف هو القرآن الذي نزل على محمد بن عبد الله (عليه أفضل الصلاة وأتم السلام)؟الجواب – في رأينا – كلا، إنه ليس القرآن الذي نزل على محمد بكل تأكيد, كلام خطير، أليس كذلك؟ولكن قبل أنْ تُصدَر الفتاوى من مجالس الفتوى الإسلامية (وأنا والله لا أعلم الفرق بين فتاويهم وصكوك غفران غيرهم) بجواز ضرب عنقي فليعطوا أنفسهم فرصة قراءة الأسطر التالية لفهم فحوى ما نقول وندّعي، وقبل الولوج في شيء من التفصيل نودّ التأكيد على أنّ لهذا الإدعاء تبعات جمة ربما تصحح مسار عقيدة دخلتها البدع فضلّت أحيانا طريقها، وكما ذكرنا في أكثر من مكان فإنّ قوة هذه الانحرافات وانتشارها الواسع قد أغشت الأبصار عن النظر من غير زاويتها، وصمت الآذان عن سماع ما ينافيها، فأقفلت القلوب عن فهم الحقيقة، ولعل من الضروري الإشارة إلى أنّ هذه الجدلية قد أثارها الكثيرون قبلنا، ولكنّنا نعتقد أنه لا زال هناك فسحة من المكان لتسليط الضوء على الأمر من زوايا جديدة. أولا، إننا نعلم أنّ القرآن قد نزل على محمد بن عبد الله عن طريق الوحي جبريل عليه السلام: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ البقرة (97) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) الشعراء ونحن نعلم كذلك أنّ جبريل عليه السلام لم ينزل على محمد بن عبد الله ومعه رقع مكتوب عليها القرآن، والثابت أنّ جبريل كان يراجع ذلك القرآن مع النبي شفهياً (كما تقول رواياتهم)، ولو كانت المراجعة تتم بقراءة شيء مكتوب على "الألواح" لتبقى من تلك الألواح شي نعلمه، أو على الأقل لوصلنا شيءٌ من خبرها. ثانياً، لم يكن محمدٌ بن عبد الله يعرف الكتابة " فلقد كان أميّاً، وهو بذلك لم يخط القرآن بيمينه: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ العنكبوت (48) ثالثاً، لقد كانت أمة العرب أمة أميّة، وكان معظم تراثها منقولاً شفهياً إلا اليسير اليسير منه، وقد كانت تتلقى تعليمها من الرهبان والكهنة (أهل الكتاب)، فلم تكن قد نضجت بعد في علوم التدوين والتقعيد. هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ الجمعة (2) رابعاً، لقد تلقى من تعلم من أبناءها علم الكتابة (التدوين) من مصادر مختلفة، ولنتصور الأمر على نحو ما كان يعرف حتى زمن قريب بالكتاتيب، فلكل شيخ طريقته، وينهج الطلاب على نحو ما يعلمهم شيخهم، ولذا تتفاوت الطريقة تبعاً للشيخ الذي تم تلقي المعرفة على يديه. خامساً، إنّنا نعلم أنّ الأمر من النبي لأصحابه بنسخ ما ينزل من السماء قرءاناً جاء للعديد منهم، فلم يأمر شخصاً معينا بعينه القيام بالمهمة، فكان هناك ما سمي "بكتبة الوحي". سادساً، كان الرسول يراجع القرآن معهم شفوياً، فهو كما أسلفنا لم يكن على دراية بعلم الكتابة حتى يتيقن مما ينسخون، ولكنه كان يتلقاه سماعياً، فيقرهم على ما يسمع منهم. سابعاً، لقد تم جمع الرقع التي كتبت عليها آيات القرآن الكريم في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه خلال معارك الردة التي قتل فيها عدد كبير من ما سمي بكتّاب الوحي. ثامناً، لقد جُمِع القرآن الكريم في نسخة واحدة في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه فيما أصبح يعرف منذ ذلك الوقت " بالرسم العثماني" للمصحف الشريف. تاسعاً، قام عثمان رضي الله عنه بإتلاف النسخ الأخرى للمصحف الشريف (ولا ندخل هنا في جدلية هذا الأمر، فلا يعنينا ما الذي أحرق ولا يعنينا كذلك لماذا أحرق)، ومنذ ذلك اليوم والمسلمون يتداولون تلك النسخة من القرآن الكريم، وهي النسخة نفسها الموجودة في كل مكان على وجه هذه المعمورة. عاشراً، تم إحداث التغيرات على ذلك الرسم القرآني في الحقب التاريخية المتعاقبة، فتم التنقيط والتشكيل (وكان الدافع في ذلك تجنب العجمة في اللفظ القرآني بعد دخول أمم كثيرة لا تتقن اللسان العربي في الدين الإسلامي)، ووضعت علامات الوقف وعلامات التجويد بغرض تسهيل القراءة بعد ذلك، وأدخلت الألوان على بعض الإصدارات في عهد قريب.اظافة (قال العلامة الألباني رحمه الله لا يجوز تقبيل المصحف فتعظيم كلام الله باتباعه وليس بتقبيل أوراقه وبزخرفة صفحاته)و(قال الشوكاني في الفوائد المجموعة :" 36- حديث: "إذا زخرفتم مساجدكم ووزوقتم مصاحفكم فالدمار عليكم".)انتهى حادي عشر، لقد أدى ظهور الطباعة إلى إصدار نسخ من المصحف الشريف تتفاوت في حجم الخط ونوعه. ثاني عشر: لقد أدى التقدم التكنولوجي إلى توافر إصدارات الكترونية من نسخ من القرآن الكريم على أجهزة الحاسوب والهاتف الخلوي وغيرها. ثالث عشر، يؤمن المسلمون إيماناً مطلقاً أنّ الله قد تعهد هذا الكتاب بالحفظ، مستمدين ذلك من قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر وهذا ما نسميّه نحن بالذكر. فالقرآن محفوظ بحفظ الذكر فيه: (*) رابع عشر، ذهب معظم الناس في فهم هذه الآيات القرآنية الكريمة إلى أنّها تعود على القرآن الكريم، وأنّ هذا الحفظ يعني عدم التغيير ولو بحرف واحد، وطبقوا هذا الفهم (في غالب الأحيان) حتى على النسخة المكتوبة للمصحف الشريف، وهنا نتوقف للحظة لنتساءل: كيف يدعي هؤلاء أنّ المصحف لم يدخل عليه تغيير وهو ما زال حتى يومنا هذا تضاف إليه شتى الرموز التي لم تكن موجودة في طبعاته السابقة؟ ألم يدخل عليه التنقيط والتشكيل؟ ألم تدخل عليه علامات الوقف والوصل والتجويد؟ ألم تدخل عليه علامات الترقيم؟ ألم تضاف إليه مؤخراً علامات التلوين والإشارات المساعدة في القراءة الصحيحة؟ونتيجة لذلك، ألم تتلقى هذه الأمة افتراءات الخصوم وإثارة الشبهات حول دوافع عثمان رضي الله عنه بإتلاف النسخ الأخرى للمصحف الشريف؟ فماذا كان دافع عثمان عليه السلام في ذلك؟ وفي الوقت ذاته ما هو الحفظ الذي تعهد الله به لما نزل على نبيه الكريم؟ رأينا: إننا نزعم أنّ عدم توخي الدقة في استخدام الألفاظ قد أدى إلى الخلط الذي شوّه الحقيقة فأمكن المتشككين والأعداء من القدح في أعظم وأجل معتقداتنا، ولقد ساعدهم في ذلك تعلق المسلمين وحبهم لكتابهم حتى ذهبوا معه- إلى حد - ما ذهب إليه بعض أهل الكتاب في حبهم لنبيهم عيسى بن مريم حتى أوصلوه إلى درجة التقديس ومن ثم التأليه (أي حتى جعلوه آلهاً يعبد مع الله). خامس عشر، إننا نؤمن أنّ الأمر من النبي للعديد من أصحابه بنسخ ما ينزل من خبر السماء كان للتثبت وإقامة الحجة على الناس بإيصال الخبر كما نزل من السماء. سادس عشر، لقد حفظ أبناء المسلمين ما نزل على محمد غيباً وتناقلته الأمة بالتواتر حتى يومنا هذا، وما أكثر الحفّاظ لكتاب الله حتى من غير الناطقين بالعربية، ولا أخال أنّ أي كتاب آخر على وجه الأرض (سماويا كان أو وضعياً) يحفظ من أول حرف حتى آخر حرف فيه كما يحفظ القرآن الكريم. سابع عشر، لم ينزل القرآن الكريم كله دفعة واحد، وذلك لسبب بسيط حتى يثبت الله به فؤاد نبيه وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا الفرقان (32) وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا الإسراء (106) ثامن عشر: نزل الكتاب (وليس القرآن) جملة واحدة. حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) الدخان إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) القدر تاسع عشر: يثبت الله بصريح اللفظ في القرآن الكريم أنه لم ينزل على محمد شيئاً مكتوباً بأي شكل من الأشكال، قال تعالى:وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ الأنعام (7) وفي ضوء الحقائق السابقة فإننا سنقدم فهمنا لما تعهد الله بحفظه لهذه الأمة، وفي غايتنا أمرين اثنين، أولهما الرد على بعض الشبهات التي أثيرت ولا تزال تثار حول كتاب الله الكريم، وثانيهما تصحيح العقائد التي ظلت أحياناً طريقها بسبب عدم فهمها لحقيقة الأمر من وجهة نظرنا نحن، وهي بلا شك لا تمثل دين الله الحق إلا بما يصدقه منها كتاب ربنا. رد الشبهات 1. فك عرى التلازم بين اللغة العربية والقرآن الكريم يجب - أولا وقبل كل شيء- عدم خلط حدينا عن اللغة العربية مع حديثنا عن القرآن الكريم، فعندما ننتقد مسألة ما في اللغة العربية أو نشير بأصابع الاتهام إلى اللغة العربية فلا يجب أن يفهم أنّ في ذلك اتهاما لما في كتاب الله، وعندما نصف اللغة العربية بالقصور في أي شيء فلا يمكن أن نقصد أنّ ذلك يلازمه قصور في القرآن الكريم، فعقيدتنا مبنية على الافتراض بأن الحديث عن اللغة العربية شيء والحديث عن القرآن الكريم شيء آخر، وللتمثيل على ذلك نورد المثال البسيط التالي: نقول أنّ اللغة العربية مثلاً تغيّر شكل الاسم بتغير عدده، فالاسم يكون مفرداً عند الحديث عن المفرد ويأتي بصيغة المثنى عند الحديث عن اثنين ويكون بصيغة الجمع عند الحديث عن أكثر من ذلك، ويتم الاشتقاق من نفس حروف الكلمة (الجذر)، فلقد تعلمنا في الصفوف الأولى من المدرسة شيئاً يشبه المثال التالي: ولد ولدان أولاد بنت بنتان بنات رجل رجلان رجال امرأة امرأتان __؟_____ __؟____ __؟___ نساء (نسوة) وتساؤلنا هو: أين جمع كلمة "امرأة"؟ وأين مفرد ومثنى كلمة "نساء"؟ وقد يرد البعض على الفور بالقول أنّ جمع "امرأة" هو "نساء" ومفرد ومثنى "نساء" هو "امرأة وامرأتان"، فنرد بالقول : كلا وألف كلا، فالمفرد والمثنى والجمع للكلمة يشتق من نفس الجذر كما في مثال "ولد" و "بنت" و "رجل" أما كلمة "امرأة" وكلمة "نساء" فتأتي كل منهما من جذر مختلف، وهي بالتالي مفردات مختلفة، لكل منهم دلالاته واستخداماته التي يجب أنْ لا تتداخل مع غيرها. .. من عند أنفسنا: إن مراد القول هنا أنّ العربية "كلغة" قد عجزت أنْ تشتق مفردة ثابتة لجمع كلمة امرأة، وعجزت عن اشتقاق المفرد والمثنى من كلمة نساء، وهذا ما يسمى بعلم اللغة "بالفجوة اللغوية" (accidental gap) والمهم بالقول أنّ هذا لا يعني بأي حال من الأحوال قدحاً في كتاب الله الذي ورد فيه كلمة "امرأة" وامرأتان" و"نساء" ولم ترد فيه مفردةٌ لجمع كلمة "امرأة" أو مفردةٌ لمثنى ومفرد كلمة "نساء"، فهذا العيب (أو القصور) في اللغة – في رأينا- لم يؤثر على إعجاز القرآن الكريم الذي نزل باللسان العربي، ولكن كيف ذلك؟ رأينا: لنتدبر بعض ما نفهمه من إعجاز في الاستخدام القرآني لهذه المفردات أولاً، جاءت مفردة كلمة "امرأة" في القرآن الكريم لتدل- حسب فهمنا- على "الأنثى التي تزوجت من رجل"، أما إذا لم تتزوج الأنثى من رجل فلا تسمى "امرأة"، قال تعالى في أواخر سورة التحريم: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12) التحريم 10-12 فبالرغم أنّ مريم بنت عمران قد أنجبت عيسى عليه السلام إلاّ أنّ القرآن الكريم لم ينعتها بصيغة "امرأة"، والجواب البسيط – برأينا- هو أنها لم تتزوج من رجل، ففي حين أنّ النساء الأخريات نُعِتن بهذه الصفة لملازمتهم لأزواجهم. ويثبت ذلك قوله تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا النساء (128) ..من عند أنفسنا: من كان لها بعل فهي امرأة (وإن كانت مطلقة أو حتى أرملة)، ومن لم يكن لها بعل فهي ليست امرأة وإن أنجبت كمريم بنت عمران، وإن صح هذا الفهم فإنّ موسى عليه السلام كان قد تزوج بامرأة عندما حطت به الرحلة في أرض مدين، قال تعالى: وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ [8] القصص (23)[9] وجاء عند الحديث عن الشهادة قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ البقرة (282) وهذا يعني – بمفهومنا لمعنى كلمة امرأة- أن الشهادة لا تكون إلاّ للرجل وللمرأة (أي لمن كان قد تزوج)، فلقد اجتهدت المدارس الفقهية في تحديد شروط الشهادة، وحددتها المحاكم الإسلامية بالبلوغ والعمر والرشد، الخ، أليس كذلك؟ رأينا: إننا نرى (وقد نكون مخطئين) أنّ الشهادة التي بها يقع الحكم هو أنْ يكون الشاهد - أولا وقبل كل شيء- متزوجاً، أما الشروط الأخرى كالبلوغ والعمر والرشد فهي يمكن أن تأتي من باب قوله تعالى في نفس الآية الكريمة "مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ"، أما الشرط الذي ورد صراحة في الآية الكريمة فهو أن يكون الشاهد رجل أو امرأة (أي شخصاً متزوجاً)، فنحن نعتقد أنه حتى لو جاء ابن تيمية نفسه ليدلى بشهادته لما قبلناها كشهادة توجب الحكم لأنّه لم يكن متزوجا، فهي لا تعدو في فهمنا أكثر من دليل كباقي الأدلة التي يمكن أن تؤخذ لرجحان أو إبطال الاتهام (أي للاستئناس)، أما الشهادة التي توجب الحكم فلا تقبل إلا من رجلين (أي متزوجين) أو من رجل وامرأتين (جميعهم قد تزوجوا)، وأجد من الضروري إثارة التساؤل التالي لمن ظن أنّ العمر والرشد والبلوغ هم شروط الشهادة (كما هو حاصل في محاكمنا الشرعية الآن): ماذا لو كانت الشاهدة عائشة بنت أبي بكر بعد أن تزوجها رسول الله وهي لم تتعدى التاسعة من العمر آنذاك (كما تقول بعض الروايات)، فهل يقبلوا أم يردوا شهادتها؟! وربما يرد البعض بالقول: ولكن هذه عائشة، فنرد بالقول أننا لا نظن أنّ أمر الدين لعائشة يختلف عن أمر الدين لغيرها، فهل يا ترى تقبل شهادة عائشة عن شهادة رجل واحد من المسلمين وإن كان إيمانه لا يزيد عن إيماني أنا، فحتى أنا كرجل لا تقابل شهادتي إلاّ شهادتين من مثل شهادة عائشة وشتان شتان بين إيمان عائشة وهي زوج النبي عليه السلام وإيماني أنا على علاّته، لكن تبقى الحقيقة الثابتة أنها هي امرأة وأنا رجل، ولا يمكن جلب الطابع الإيماني في مسألة الشهادة، فكقاضي أقبل شهادة رجل حتى ولو لم يكن إيمانه كإيمان ابن تيميه ولا أقبل شهادة ابن تيميه لأنه لم يكن متزوجاً. فالزواج شرط في الشهادة. أما في حالة الميراث، فقد جاء قوله تعالى على نحو: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ? إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا النساء (11) فبالرغم أن المقابلة هي نفسها (واحد مقابل اثنتين، 1: 2)، إلا أنها لم تأتي في حالة الميراث كما جاءت في حالة الشهادة (رجل مقابل امرأتين)، وسؤالنا هو: لماذا تغير اللفظ من "رجل وامرأتين" إلى ذكر وأنثيين؟ رأينا: نظن أن الجواب بسيط، وهو أنّ الميراث يتحصل للإنسان بمجرد ولادته، فالذكر يرث مثل الأنثيين بغض النظر عن العمر أو الحالة الاجتماعية، فمن كان عمره يوماً واحد يرث كمن بلغ الأربعين أو الخمسين، ومن كان أعزب يرث كمن كان متزوجاً، فالزواج ليس شرطاً في الميراث ولكنه شرط في الشهادة. هذه بعض من استخدامات القرآن للفظة امرأة كما نفهمها نحن، أما لفظة النساء (والنسوة) فقد جاء في قوله تعالى: وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ البقرة (49) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ البقرة (222) فهذا يعني أنّ لفظة نساء تطلق على مجموع النساء المتزوجات وغير المتزوجات، فنحن .. القول أنّ اللواتي تحدثنّ عن قصة يوسف مع امرأة العزيز واللواتي وقعن في حب يوسف لم يكنّ كلهنّ من المتزوجات، فلقد وقع في حب يوسف المتزوجات وغير المتزوجات، فلفظة النساء تطلق على عموم الإناث سواءً كن متزوجات أو غير متزوجات، ويثبت ذلك قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًاالنساء (23) فسواءً تم الدخول بها أو لم يتم الدخول بها فهي إذاً تعتبر من مجموع النساء بغض النظر عن عمرها، ففرعون كان يقتل المواليد الذكور وكان يستحي النساء، أليس كذلك ولا أظن أن الذي كان يستحيهن فرعون كنّ جميعاً من المتزوجات، بل المواليد من الأنات كما أظن. أما ما يقابل لفظة النساء من الذكور فقد ورد في قوله تعالى ما يدل على ذلك:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ الحجرات (11) فمخاطبة مجموع الإناث سواء كن متزوجات أو غير متزوجات تتم باستخدام لفظة "نساء"، أما مخاطبة مجموع الذكور المتزوجين أو غير المتزوجين تتم باستخدام لفظة قوم. ذكر أنثى مفرد بغض النظر عن العمر أو الحالة الاجتماعية الميراث رجل امرأة شخص مفرد متزوج الشهادة رجلان امرأتان مثنى متزوج الشهادة رجال !!! جمع متزوج الشهادة قوم نساء جمع بغض النظر عن الحالة الاجتماعية الغيبة/ السخرية لنخلص إلى القول أنّه بالرغم من قصور اللغة العربية عن إيجاد مفردة منفصلة لكل شكل من أشكال الكلمة في حالة الإفراد والتثنية والجمع إلاً أنّ ذلك لم يكن عائقاً أنّ يستخدم القرآن المفردة المقصودة في مكانها الذي لا يمكن لمفردة أخرى أنّ تقوم مقامها. 2. فك عرى التلازم بين قواعد اللغة العربية والقرآن الكريم وهنا يجب التأكد أيضاً على عدم خلط ما يسمى بالقواعد التي من وضع البشر مع ما ورد في كتاب الله، فتلك "القواعد" قلما تسلم من "الشواذ" والاحتجاج بها ربما لا يخدم القرآن كما ظن الكثيرون وادعوا، وأبسط ما يمكن أن نقدمه في هذا السياق مثال الأعراب لفعل العربية، فلقد أنهكتنا كتب قواعد العربية بتفصيلات أقسام الفعل إلى الماضي والحاضر والأمر والتام والناقص، الخ. ولكن هل - يا ترى-يكون الفعل الماضي ماض وهل المضارع مضارع وهل الأمر فعلاً أمرا؟ ولتبسيط الطرح نورد الآية الكريمة التالية: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ .البينة (1) ألم يطلب منا معلم العربية إعراب لم على أنها أداة جزم، و"يكن" فعل مضارع مجزوم؟ ولكن ألا يدل ذلك كله على حدث تم وانتهى؟ فأين المضارعة فيه كما يدل إعرابه؟ وكم تجادل الناس في قوله تعالى:... وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا فهل ذلك فعل ماض تم وانتهى كما تدل صيغته؟ أي هل ارتفع وانتهى غفران الله ورحمته؟ وعندما نبتهل إلى ربنا بالدعاء:.. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) فهل يعني ذلك أننا نأمر الله (حاشاه جل وعلى) كما يدل إعراب الفعل آتِنَا والفعل َقِنَا ؟! فكم تلقينا من تعليم أن الفعل إذا جاء على صيغة "افعل" يدل على الأمر، فهل يدل حديث لقمان لابنه في موعظته الشهيرة على الأمر: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) لقمان 17-19 وكم تلقينا من توجيه في التذكير والتأنيث، فهل يمكن للسان عربي (حتى وإن كان غير مبين) أن يخطئ في جنس الشمس والقمر؟ أليس القمر مذكر والشمس مؤنث في اللسان العربي؟ وإن كان كذلك فكيف إذاً نقرأ قول الله تعالى على لسان إبراهيم:فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ الأنعام (78) لاحظ عزيزي القارئ كيف تم معاملة الشمس على أنها مؤنثة مرة " رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً" وعلى أنها مذكر مرة أخرى "هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ" لقد شوهت مثل تلك "القواعد" معاني القرآن الكريم، لا بل وأخرجتها عن سياقاتها ومعانيها، ولا أزال أذكر ذلك الجدل مع معلمي يوم أنْ أمضى وقته الثمين وهو يحاول شرح قواعد "قد" في العربية، فقال بلهجة المتيقن (إن كنت لا زلت أستطيع أن أعيد صياغة كلامه): " تدخل "قد" على الفعل الماضي فتفيد التوكيد وعلى الفعل المضارع فتفيد التشكيك"، وأعطى المثال تلو المثال ليبين ما يقصد ويدعي، وعندما فاجأته بالآية الكريمة (بالطبع لم أكن أحفظ الآيات كما ترد هنا، ولم يكن النقاش بهذا التصوير البطولي الذي أقدمه لنفسي في هذه الأسطر، ولكن الفكرة الرئيسية هي ما تدور حوله هذه الأسطر بغض النظر عن الطريقة التي جرت بها آنذاك): لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ النور (63)أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ النور (64) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا الأحزاب (18) قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ البقرة (144) فهل هذا يعني تشكيكاً بأن الله يعلم أو أن الله يرى؟ كان رده الوجوم والدهشة فأسكتني بالقول بلهجتنا.. "ولك إنت شو بعرفك"، هذا قرآن وله تفسيراته المختلفة، وأهل العلم عندهم التعليل، لما كنت أنا لا أعلم - بشهادة معلمي- وجمت وخرست، ولما كنت لا أعلم أين هم العلماء الذين يتحدث عنهم لم استطع أن أسأل أحداً منهم، ولما كنت أقدر هؤلاء العلماء ما شككت أنهم فعلاً أصحاب علم. ولكني لم أعدم الظن حينئذ أنّ هذا القرآن قد نزل على أناس يتمتعون بصفات خارقة في الفهم والإدراك وأنا بالتأكيد لا أملك حتى النزر اليسير من تلك الصفات، فلِمَ أتدخل فيما لا يعنيني؟ فعلى أي حال فقد لقيت من معلمي ما لا يرضيني بكل تأكيد. لا بل لقد شوهت تلك التمثيلات القواعدية للغة بعض الحقائق العقائدية التي يجب الحذر والتنبه لها، وهي بلا شك كثيرة وكثيرة جداً ربما نحتاج لكتاب كامل لسردها وتبيان خطورة ما تنطوي عليه، وأقدم هنا مثالاً واحداً على سبيل التوضيح لا غير. فلعل الجميع أمضى جزءاً من وقته (غير الثمين بالطبع لأنه لم يكن لدينا شي آخر نعمله) في حصص قواعد اللغة العربية حول الممنوع من الصرف، وقدم جهابذة اللغة تفسيراتهم المبسطة للموضوع لتتماشى مع قدراتنا الذهنية كطلبة تكمن مهمتنا في تخزين المعلومات الثمينة التي نتلقاها يومياً في مدارسنا (ولا أظن أن لنا الحق أن نتدبرها، فكما يقولون باللسان الأعجمي فإن مهمتنا في أحسن الأحوال كانت CHEWING THE OLD GUM)، وتولى المعلمون الأفاضل واجب نخرها في عقولنا إن لم يكن بالمعروف فبالعصا، وأول ما فرض علينا هو معرفة أنّ الممنوع بالصرف يجر بالفتحة نيابة عن الكسرة ولا ينون (أي لا تدخل عليه علامة التنوين)، وعندما حاولت سؤال معلمنا عن سبب ذلك، كان جوابه الجاهز هو : "تعلم اللغة كما هي، هكذا وردت على لسان العرب"، وعندما سألته عن العرب، فرد عليّ بالقول أنهم نوعين: العرب العاربة الذين من سلالة عدنان وقحطان وغسان، والعرب المستعربة الذين من سلالة إسماعيل ولد إبراهيم عليهم السلام، ولم يمضي وقت طويل حتى استنتجنا (بعد جهد ذهني خطير بالطبع) أنّ أباء العرب جميعاً (عاربة ومستعربة) ممنوعون من الصرف، فلا إسماعيل ولا عدنان ولا قحطان ولا غسان يصرفوا، فيا سبحان الله!!وتبين لنا أنّ فكر جهابذة مقعدي اللغة خلص إلى أن الاسم الذي ينتهي بألف ونون لا يصرف والاسم الأعجمي لا يصرف كذلك، وكطلاب أخذنا تطبيق تلك القواعد على المفردات الجديدة، فعلمنا أنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب ممنوعة من الصرف لأنها أسماء أعجمية، ولكن تخالجني سؤال غريب لم أستطع البوح به آنذاك لأني – كما شهد لي معلمي سابقاً - لا أعرف شيئاً، وذلك أمر يتطلب عقولا كبيرة جداً كعقول كسيبوية والخليل ومعلمي ذاك، الخ. وكان مفاد السؤال على النحو التالي: ماذا عن نوح عليه السلام؟ فهل نوح أسم عربي حتى يصرف؟ ولم لا يصرف إذاً آدم؟ من منهم عربي ومن منهم غير عربي؟ النتيجة العملاقة التي توصلت إليها بمساعدة قواعد اللغة العربية غاية في الذكاء: آه، آدم غير عربي ونوح عربي والدليل بلا شك ما يصرف وما لا يصرف، يا سبحان الله لقد قدمت حلاً جذرياً لجينات العرب الوراثية، هم إذاً ليسوا من نسل آدم بالتأكيد: فهو ممنوع من الصرف؟ ولكنهم قد يكونوا من نسل نوح: فهو ممنوع من الصرف؟ ولكني تراجعت بعد أعوام عن هذا الاعتقاد (أي أن العرب من سلالة نوح) يوم قرأت في كتاب الله الآية التالية: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) آل عمران 33-34 وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) الإسراء 2-3 لتبيّن لي أنّ بني إسرائيل هم من ذرية نوح وليس نحن العرب، واستنتجت كذلك أن التوزيع الذي قدمه بعض الشارحين لآلهة قوم نوح هو محض هراء، فالعرب المستعربة هم من ذرية نوح، أما العرب العاربة فهم – حسب رأى علماء التشريع – ليسوا من ذرية إسماعيل ابن إبراهيم الذي هو من ذرية نوح، فمن أين جاءوا يا ترى؟! الله أعلم. ولندع هذا الحديث جانباً لنثير سؤالاً غاية في الخطورة لما يترتب عليه من مغالطات، فلقد أكد مقعدي اللغة العربية – وسار الناس على نهجهم قروناً من الزمن- أن الاسم الأعجمي (أي من غير الأصول العربية) لا يصرف، وصدقنا بذلك حكاية عدم صرف يوسف و يعقوب وإسحق وإسماعيل وإبراهيم، فهم جميعاً عائلة واحدة، ولكن ألم يكن لوط أعجمياً كذلك، ألم يخرج مهاجراً مع إبراهيم يوم رفض قومه إتباع منهجه ودينه الجديد: فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27) وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) العنكبوت 24-28 يا سبحان الله!! هاجر لوطٌ مع إبراهيمَ " فصرف لوطٌ ولم يصرف إبراهيمُ"! فأيهما أعجمي وأيهما غير أعجمي، ربما أنّ لوطاً الذي كان قد هاجر مع إبراهيم قد سماه أبواه اسما عربياً كما يفعل العرب اليوم عندما يسمون أبناءهم John, و Henry و Mike، من يدري!!! المهم بالموضوع أنّنا ننفق على مثل هذه الهراء الجهد والمال لتمريرها لأجيالنا، ونجبرهم على أخذها على أنها حقائق وثوابت يحرم التلاعب بها أو حتى إثارة التساؤلات حولها، واسمحوا لي أن أخرج عن النص بعض الشيء لأقول "إنها لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به ناهيك عن الورق الذي كتبت عليه" الفصل بين الكتاب والقرآن إنّ النقاش السابق يدعونا إلى التفريق بين ما هو قرآن (من عند الله) وما هو ليس بقرآن من وضع البشر، ولمّا كانت الحالة كذلك كان لزاماً جلب انتباه القارئ الكريم إلى الآيات القرآنية التالية: جاء في سورة آل عمران الآية (61) قوله تعالى:فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) وجاء في نفس السورة الآية (87) قوله تعالى:أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) ومراد القول هو تدقيق ما تحته خط في الآيتين السابقتين "لَعْنَتَ اللَّهِ" و "لَعْنَةَ اللَّهِ"، وسؤالنا هو: لِمَ اختلف الرسم القرآني في الحالتين؟ فإذا كان قد نزل كذلك من عند الله فلم تبدّلت اللفظة نفسها (مرة بالتاء المفتوحة ومرة بالتاء المربوطة) ونفس المنطق ينطبق على قوله تعالى في المائدة الآية الحادية عشر والآية العشرون: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) ولو طلبنا من أي متعلم للغة عربية كتابة كلمة امرأة لكتبها بالتاء المربوطة ولكن لو قرأنا في آخر سورة التحريم لوجدناها على النحو التالي: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) السؤال: هل - يا ترى- هذا الاختلاف هو من المصدر الذي جاء منه، أي هل كتب الله القرآن على تلك الشاكلة، مرة بالتاء المفتوحة ومرة أخرى بالتاء المربوطة حتى لنفس اللفظة، و لربما بادرنا من يشكك بهذا الكتاب بالقول ربما أن .. لم يتقن بعد قواعد التاء المربوطة وقواعد التاء المفتوحة، فهو لا زال لا يتقن التفريق بينهما!! إن المخرج من هذا الكلام هو بسيط للغاية، وهو ما أوردناه سابقاً والمتمثل في زعمنا بأنّ القرآن لم ينزل مكتوباً في الألواح مصداقاً لقوله تعالى:وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ الأنعام (7) ولنستذكر كذلك أنّ الذي خط القرآن الكريم على الرقاع هم البشر (كتبة الوحي) وأنّ النبي نفسه لم يكن يعرف الكتابة بخط يمينه:وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ? إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ العنكبوت (48) عندها ربما يزول الإبهام ويفهم التباين في الرسم، ولكن كيف؟ رأينا: فكما ذكرنا سابقاً لقد تعلم كتّاب الوحي خط اللسان العربي من مصادر مختلفة، فلربما كان يكتب زيد التاء مفتوحة وكان يكتبها معاوية مربوطة، الخ. وعندما تم جمع القرآن أخذت آية التاء المربوطة من رقاع معاوية وأخذت آية التاء المفتوحة من رقاع زيد وهكذا. .. خطير جداً جداً: لهذا نحن نتجرأ على البوح بأن الرسم القرآني ليس إلهياً، وهو لا يحمل صفة القدسية التي ظن الكثيرون أنها ملازمة له، وعندما تم إضافة التشكيل والتنقيط ورموز الوقف والتجويد أدخل على القرآن ما لم يكن فيه فزاد فيه الطابع البشري، ولعل هذا يفسر قرار عثمان (رضي الله عنه) بإتلاف المصاحف التي كانت موجودة آنذاك، فلقد رأى عثمان أنّ من الأولى أن تجمع الأمة على رسم واحد للمصحف، فلربما كان التباين في الرسم القرآني في المصاحف كبيراً فجاء قرار عثمان بالتخلص من الطابع البشري المتباين في الرسم القرآني. نستنج إذاً أنّ ما هو مكتوب بين دفتي المصحف هو الترميز البشري لما نزل من خبر السماء، فهو ليس قرآناً، سميه ما شئت ولكن لا تقل أنه قرآناً من عند الله. تبعات هذا الإدعاء 1. عندما أعتقد الكثيرون أنّ هذا المكتوب على الورق إلهياً، حرّموا لمسه على الحائض والنُفساء والجُنب متسلحين بقوله تعالى:إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) الواقعة 66-79 وهم لا يفرّقون أصلاً بين المطهّرين والمتطهّرين الذين سنتعرض للحديث عنهم لاحقاً 2. ظن الكثيرون بدعم جواز لمسه من قبل الكفار، هذا مع العلم أن عدداً كبيراً من الكفار (لا شك) يملكون في بيوتهم وفي مكتباتهم نسخاً منه 3. حزن الكثيرون لامتهان الكافرين هذا المكتوب على الورق بحرقه وتمزيقه وحتى إلقاءه مع القمامة، وكلنا يذكر الحفلات التي أقاموها لإحراق وتدنيس هذا الكتاب، فتباكت الأمة على ذلك وقامت الدنيا ولم تقعد في حين أننا نحن المسلمون نقوم بحرق نسخ القرآن المكتوبة في حالة تلفها. 4. يغضب الكثيرون عندما يرون ورق الجرائد التي تحتوي على آيات من كتاب الله ملقاة مع النفايات 5.يقوم الكثير من المسلمين (خصوصاً في بلاد الشام ومصر) بتقبيل النسخة من القرآن المكتوب عندما يمسكونها بأيديهم للتلاوة 6. يسيء الكثيرون فهم الآية القرآنية الكريمة التالية: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ الحجر (9) فلو كان الحفظ كما يظن البعض يشمل الرسم البشري للقرآن الكريم (أي النسخة المكتوبة على الرقاع والورق)، فلم يسمح الله بكل ذلك الامتهان لكتابه، فلقد ظن الكثيرون أن الحفظ يعني الحفظ من التحريف والتبديل، ولكننا نقول أنّ الآية الكريمة تعني الحفظ غير المشروط فالله نزل الذكر وهو سيحفظه من كل شيء ولا يستطيع أي بشر تدنيسه؟ فما الذي تعهد الله بحفظه؟ وما هو الذي لا يمكن أن يمسه إلا المطهرون؟ الجواب بكل بساطة هو ليس الرسم البشري للقرآن الكريم بكل تأكيد، فما هو إذاً؟ .. من عند أنفسنا: إنه الذكر وهو القرآن الكريم وهو الكتاب المكنون؟ وهذه ليست مفردات مختلفة لشيء واحد بل هي تسميات لأشياء متعددة مختلفة، ولنبدأ بها الواحدة تلو الأخرى: القرآن الكريم لعل القليل يجادل بأن كلمة قرآن مأخوذة من مادة القراءة، وفعلها قرأ، فالشيء المقروء يختلف عن الشيء المكتوب بكل تأكيد، فنحن نكتب كلمة صلاة في الرسم القرآني على نحو "صلوة" ونقرأها صلاة، ونكتب "الم" ونقرأها (ألف لام ميم) في بداية البقرة وآل عمران والروم ونقرأها (الم) في بداية الانشراح، فنحن إذاً نكتب شيئاً لا نقرأه "كما في مثال صلواة و زكوة، ونقرأ شي ليس مكتوباً في كما في مثال "الم" في بداية البقرة. إننا نظن أن القرآن الذي نزل على محمد لا يوجد به هذه الإشكاليات لأنه نزل مقروءاً وليس مكتوباً فنزلت الصلاة صلاة، والزكاة زكاة، وألم الم، وألف لام ميم إلف لام ميم، بغض النظر عن طريقة رسمها على الورق من قبل كتبة الوحي. فجل القول أن الذي نزل على محمد نزل منطوقاً ولم ينزل مكتوباً، قال تعالى:وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ الأنعام (7) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ العنكبوت (48) فالله لم ينزل على نبيه إذاً كتاباً في قرطاس يمكن لمسه بالأيدي، والذي تعهد الله بحفظه هو المنطوق وليس المكتوب، قال تعالى: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ العنكبوت (49) فقل لي بالله عليك هل يستطيع أبناء القردة والخنازير إذاً تدنيس ما تعهد الله بحفظه (الآيات البينات التي في صدور الذين أوتوا العلم) أي النص المنطوق (وليس المكتوب) من القرآن الكريم؟ كلا وألف كلا. فحتى لو أحرق الذين كفروا النسخ المكتوبة من القرآن الكريم، فهل يستطيعون إحراق ما هو موجود في صدور المؤمنين؟ ولو دنسوا الرسم البشري لكتاب الله فهل يستطيعون تدنيس كلماته المنطوقة؟ وحتى لو أحرقوا كل النسخ الموجودة على وجه الأرض فهل يستطيعون إحراق حفظة كتاب الله؟تخيلات من عندي: لو كنت أملك ميزانية جيدة لذهبت وشاركتهم احتفالهم بحرق النسخ المكتوبة من المصحف ، ولأخذت معي بعض النسخ التالفة وألقيتها معهم في النار، ولكني كنت – بكل تأكيد- سأسألهم بعد ذلك سؤالاً واحدا: هل يستطيعون إحراق رأس ابنتي التي لا تتجاوز من العمر ثلاث سنوات وهي أصبحت تحفظ فاتحة الكتاب وسورة الإخلاص؟ الجواب: فإن أحرقوا السطور لن يستطيعوا إحراق الصدور. *لا يمسه إلا المطهّرون: الكتاب المكنون فلقد أعتقد البعض كما أسلفنا بعدم جواز مس المكتوب في السطور من القرآن الكريم من قبل الحائض والنفساء والجنب والكافر، متسلحين بقوله تعالى:لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ الواقعة (79) ونحن نظن بخطأ اعتقادهم لسببين: أولهما، أنهم لم يدركوا ما هو الشيء الذي لا يسطيع مسه إلا المطهرون، وثانيهما أنهم أخطئوا بالمقصود من الاستثناء في قوله تعالى "إلا المطهرون"، ونثير هنا تساؤلين أثنين: 1. ما هو الشيء الذي لا يمكن أن يمسه إلا المطهرون؟ 2. من هم المطهرون الذين يستطيعون مس ذلك الشيء؟ إنّ تدبر الآية الكريمة نفسها في سياقها الأوسع يزيل الإبهام بلا شك، قال تعالى إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) الواقعة 77-79 فالضمير المتصل في فعل "يمسه" يمكن فهمها على وجهين لا ثالث لهما: 1. أنها تعود على القرآن الكريم 2. أنها تعود على الكتاب المكنون ومهما كان التأويل فهي بكل تأكيد لا تعود على النص الذي رسمه البشر للقرآن الكريم، فإذا كانت تعود على القرآن الكريم فهي إذاً تعود على النص المنطوق الذي نزل به جبريل على النبي محمد وبذلك تتأكد استحالة أن يستطيع مسه البشر، أما ما رسمه كتبة الوحي للقرآن الكريم فهو ليس قرآناً كما أسلفنا، ولا ضير – برأينا- أن تلمسه الحائض والنفساء والجنب وحتى الكافر، فنحن نعلم أنّ كل مكتبات الغرب يوجد بها نسخ للقرآن الكريم حتى باللغة العربية وقد تقع تلك النسخ بيد الأجنبي الكافر والجنب أو الحائض في آن واحد فهل يعني ذلك أنه قد مسه وانتفت بذلك صدق الآية الكريمة التي تؤكد عدم قدرة غير المطهرين عن لمسه؟! ومن ثم ما الإشكالية أن تلمس الحائض أو النفساء المصحف الذي هو من كتابة البشر لتقرأ فيه؟ ألا تكون في ذلك الوقت في أشد أوقاتها حاجة أن تقرأ في كتاب الله؟ لم تمنعوها عن لمس النص الذي كتبته أيدي البشر وتسمحوا لها بقراءة كلماته دون مسه؟ّ فهل فعلا لمست القرآن الكريم أو حتى لمست الكتاب المكنون؟ ثم من هم المطهرون الذين يستطيعون هم فقط مس القرآن الكريم أو الكتاب المكنون؟ فهل أحد من البشر مطهر؟ إن استدعاء السياقات القرآنية التي تتحدث عن المطهرين تتجلى منها الحقيقة الثابتة أنهم ليسوا من البشر الذين يقطنون وجه الأرض، قال تعالى:وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ البقرة (25) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ آل عمران (15) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا النساء (57) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16) والدقة تستلزم الانتباه أن الله عندما رفع عيسى من الأرض جاء قوله على النحو التالي:إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ آل عمران (55) أما البشر على الأرض فهم "متطهّرون وليس مطهّرون"، قال تعالى :لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ التوبة (108) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ البقرة (222) فالحائض ليست النقيض للمطهرة وإنما هي النقيض للمتطهرة، والله لم يمنع بذلك الحائض أو النفساء أصلاً من مس بالمصحف، ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بأمر المس. فكل البشر رجالاً ونساء متطهرين أو جنبا لا يستطيعون المس بالنص المقروء من القرآن الكريم وهم لا يستطيعون كذلك مس الكتاب المكنون. أما النسخة البشرية التي رسمها البشر بالخط العربي للقرآن الكريم فهي من شأن البشر أنفسهم، ونحن نظن أن الله لم ولا ولن يمنع البشر أن يمسوا ما كتبوا هم بأيديهم. وإنما جعل من المتعذر عليهم لمس ما كتب هو بنفسه (الكتاب المكنون) وما أنزل على نبيه منطوقاً (القران) الرقية والمشعوذين وإذا كان هذا المكتوب على الورق هو من رسم البشر فهو ليس قرآناً، وبهذا لا يكون فيه شفاء للناس، قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا الإسراء (82) فلقد درج بعض الدجّالين (وحتى من أصحاب العمائم البيضاء والسوداء)، نقول قد درجوا على كتابة بعض التمائم وإعطاءه للناس بدافع التطبب والتشافي، وهم بذلك لا يرعون في مؤمن إلاّ ولا ذمة واستغلوا جهل الناس بكتاب الله، حتى أصبحت تجارة رائجة عند الكثيرين (وإن كنت لا تصدقني فقلب بنفسك فضائياتهم التلفزيونية لترى ما يسوقونه للناس):اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) التوبة 9-10 فتنقسم الآن شاشة فضائياتهم لتبيع في شقها الأيمن مستحضرات تكبير القضيب وتكبير الثديين وشد الأفخاذ، الخ، بينما يتابع الجزء الأيسر من الشاشة قراءة الأعراف والكهف وطه، الخ) فنقول لهؤلاء ولمن ظن بصدق دعواهم أنّ ما يكتبوه ليس قرآناً، والقرآن الكريم – في ظننا- منهم براء، فهم يكتبون بأيديهم ويرسمونه كما يحلو لهم ويدّعوا أنه قرآنا من عند الله:فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ البقرة (79) إنّ الرقية الشرعية من القرآن الكريم لا تكون إلا بالقراءة لأن القرآن مقروءاً وليس مكتوباً، ومتى كتب على الورق لم يعدوا أكثر من رسم بشري لآياته ولا يمكن أن يكون ذلك الرسم صحيحاً، فهو كذلك الرسم القرآني الذي يطلبه معلم التربية الإسلامية في الامتحان من طلابه في سؤاله التقليدي أكمل قوله تعالى من ..... إلى قوله تعالى ........ فهل يا ترى ما يكتبه الطالب في ورقة الامتحان على علاّته النحوية والكتابية والتشكيلية والرسمية (كما أفعل أنا في كتاباتي) يكون فعلاً قرآناً؟ كلا وألف كلا. فليتقي هؤلاء الدجّالين الله في الناس، وليفهم الناس حقيقة الأمر فلا يقعوا ضحية لمن ادعى وظن أنه علم شيئاً من كتاب الله، فأصبح يظن أنه قد أصبح على علم من الله، فتاجر به واشترى به ثمناً قليلاً، وهو لا زال في حاله مثلي يجهل حتى أبجديات كتاب الله. وليراجع هؤلاء كيف كان يرقي النبي عليه الصلاة وأتم السلام نفسه، فهل حدث وطلب يوماً من كتبة الوحي إحضار رقعة مرسوم عليها شيئاً من كتاب الله ليضعها تحت رأسه في نومه أو يعلقها على صدره الشريف في يقظته أو يجعل منها شيئا في طعامه وشرابه؟وقد يبادرنا البعض بالقول: إنك تدعي إذاً أن القرآن الكريم ليس مكتوباً إطلاقاً ويستحيل كتابته من بني البشر، أليس كذلك؟ فنقول نعم يستحيل على بني البشر كتابة القرآن الكريم، ومتى كتب لا يعدو أكثر من رسم بشري لكلمات الله، وليس بالضرورة أن يكون ذلك الرسم صحيحاً، فنحن نعلم أنه قبل إدخال التنقيط والتشكيل على النسخة المكتوبة للرسم القرآني كانت المفردة التالية ترمز لأكثر من شيء:ك ت ب فهي تمثل كتب في قوله تعالى:ذَلِكَ الْكِتَبُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) وهي تمثل في قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ البقرة (180) وهي تمثل في قوله تعالى :يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ البقرة (21) وقد أقرها النبي على ما هي عليه في بادئ الأمر، ونسخت في المصاحف الأولى كما هي، وأقرها مصحف عثمان في رسمه النهائي، فهل يا ترى كل تلك الكلمات كانت عند الله على تلك الشاكلة؟ وهل عندما أدخل التنقيط والتشكيل تم تصحيح تلك الكلمات على الشاكلة التي هي عليها في اللوح المحفوظ؟ ولعل القارئ قد فهم من كلامي هذا أنّ القرآن مكتوب عند الله، فنقول نعم هو مكتوب عند الله ولكنه ليس كما هو بين أيدينا، فهو منطوق عند الله كما ننطقه ولكنه مكتوب عند الله على نحو مختلف عن بين أيدينا، ففي لفظه هو قرآن وأما في رسمه فهو ليس بقرآن. فالله سبحانه لم ينزل على محمد القرآن مكتوباً بل نزّله منطوقاً، وهذه حقيقة لا يمكن أن يجادلنا بها أحد، فنسأل من يتشكك بكلامنا هذا سؤالاً ملخصه: لو فعلاً نزل القرآن من عند الله مكتوباً هل يمكن أن يكون رسمه كما نراه على الورق الآن؟ وهل كانت الحاجة ستستلزم في فترات تاريخية متفاوتة إدخال التعديلات والإضافات على رسمه؟ كلا، إننا ندعي أنه سيكون منذ لحظته الأولى كاملا لا يستلزم إجراء أي تعديل عليه، فهل يا ترى جرى تعديل على لفظ القرآن الكريم؟ الجواب لا، والسبب بسيط لأنه نزل منطوقاً فما تغير اللفظ بتغير عامل الزمن، أما الكتابة (الرسم) فقد عدلت وتبدلت مع مستلزمات الزمن. وقد يرد البعض بالقول وهل كان من الممكن أن ينزل القرآن الكريم منطوقاً ومكتوباً في آن واحد؟ فنقول نعم لو لقضت حكمة الله بذلك، ولنتدبر الآية الكريمة التالية التي تثبت أن ألله قد ينزل كلماته مكتوبة كما أنزلها منطوقة، قال تعالى:وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ? سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ الأعراف (145) وهذا يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنّ موسى عاد يحمل بيديه ما كتبه الله له في الألواح، فقضت حكمة الله أن يتلقى موسى الرسالة مكتوبة وأن يتلقى محمداً الرسالة منطوقة، ولذا تستلزم الدقة تدبر الآية الكريمة التالية:أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) النجم 36-37 فقد كان يملك موسى وإبراهيم صحفاً، وملك محمد قرآناً، واتينا داوود زبورا: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ الأنبياء (105) نستنتج من السرد السابق أنّ تلك الكتب نزلت مكتوبة، ونزلت رسالة الإسلام مقروءة، وقد يبادرنا البعض بالسؤال عن الحكمة في ذلك، فنقول لعلنا نظن أنّ السبب واضح وهو: ما عملناه نحن بالرسم القرآني عملته الأمم الأخر بالرسم الإلهي لكتبهم: وهو التحريف والإضافة عليه فنحن قد أضفنا وزدنا في الرسم القرآني وهم قد أضافوا وزادوا على الرسم الإلهي لكتبهم، ولكن الفرق بيننا وبينهم أنه في حين لم تكن رسالتهم منطوقة اختلفوا في نطقها فأضافوا وبدلوا في النطق أيضاً فتحرفت رسالتهم كتابة ونطقاً وضاعت معها حتى لغتهم، فمن من البشر لا زال ينطق بلسان إبراهيم ومن من البشر لا زال ينطق بلسان موسى ومن من البشر لا زال ينطق بلسان داوود ولكن كم من البشر لا زال يستطيع أنْ ينطق بلسان محمد عليه وعلى جميع رسل الله أفضل وأتم السلام؟ نعم لقد تحرفت رسالتنا كما تحرفت رسالتهم كتابة ولكنها لم تتحرف نطقاً، وقد تعهد الله بحفظ هذه الرسالة ليس كتابة (أي صحفاً) وإنما نطقاً (أي قرآناً). وقد يبادرنا البعض بالسؤال التالي: ألم يقرأ أنبياء الله السابقون تلك الصحف لأقوامهم؟ نقول نعم لقد فعلوا، فيرد صاحبنا بالقول لقد كانوا إذاً يحفظون تلك الصحف كتابة وقراءة؟ فنقول كلا، لم يكونوا يحفظونها قراءة بل كتابة، فيرد صاحبنا بالقول وكيف ذلك؟ فنرد بالآية التالية من كتاب الله:مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الجمعة (5) نعم كانت صحفهم على ظهورهم، فلم يكونوا هم أكثر من حمير تحمل أثقالاً لا تعي ما تحمل، ولا تفهم لم تحمله، ولما طال بها حمله على ظهورها اختلفت فيه، قال تعالى:ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176) فتباينت ألسنتهم وضاعت لغتهم وتحرفت شريعتهم، فتفرقوا شعوباً وقبائل، كل حزب بما لديهم فرحون. أما نحن فقد كان قرآننا منذ اللحظة الأولى في صدورنا، وليس في الصدر أثمن من القلب الذي هو موطن الإدراك ومكان التمييز، فعرفت هذه الآمة كم هو ثمين ذاك الذي في صدرها فحفظه أبناءه من أول حرف إلى آخر حرف فيه، ولا يكاد مسلم على وجه البسيطة (حتى وإن كان معاقراً للخمر متخذاً أخدان) إلا ويحفظ شيئاً من كتاب الله. والسؤال الذي نعود البحث فيه هو: "أين يكمن العلم الحقيقي؟" وما السبيل إلى استكشافه؟ إنّ جلّ النقاش السابق يفضي إلى هذه الأسئلة. وهو ذروة البحث ومقصده، ولا شك أنّ ما سنقحم أنفسنا فيه غاية في الخطورة لما قد يترتب عليه من نتائج. فالجواب على التساؤل الأول بمفهومنا بسيط وقد سبق ذكره وهو أنّ المعرفة كلها تكمن في كلام الله، ولكن السؤال الذي يعنينا هو إن صح هذا الافتراض فإننا بحاجة إلى السبيل للوصول إلى تلك المعرفة ومن ثم إثباتها عملياً لتصبح منهاجاً للتفكير العلمي الديني؟ *** *** *** وغاية ما نطمح إليه هو أن يصبح هذا التصور طريقة جديدة في البحث العلمي، الطريقة التي تجمع بين العلم المادي والإيمان العقائدي المستند على مصدر التشريع الإسلامي الأول وهو كتاب الله. -- فنحن بحاجة إلى الطبيب الذي لا يدخل المسجد بفكر ويخرج منه بفكر، فلا نريد الطبيب المسلم أن يسمع كلام الله "وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (الإسراء 82 )" ثم يذهب إلى العيادة فلا يؤمن إلا بـعقاقير الـ و الـ..، الخ. -- وهل نحن بحاجة إلى عالم الفلك المسلم الذي يدخل المسجد فيسمع كلام الله:وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18) الحجر 16-1 ثم يذهب إلى غرفة الصف فلا يتحدث عن هذه الشهب إلا ضمن قانون الجاذبية الذي ابتدعه "نيوتن" ولا يؤمن بالقانون الإلهي الموجود في كتاب الله سوى أنّه اعتقاد ديني يصعب عليه تصديقه ويخجل أنْ يكذبه؟ -- ونحن بحاجة إلى العالم المسلم المتخصص بعلم الوراثة الذي يؤمن "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27)". فلا يجد في نفسه حرجاً أنْ يبني كل تفكيره العلمي على هذه الحقيقة القرآنية. -- ونحن لسنا بحاجة عالم التاريخ الذي يقرأ في كتاب الله عن عاد وثمود وأصحاب الأيكة وقوم تبع وعن هامان وقارون وفرعون ثم يعود فلا يكتب إلا ما دونته كتب التاريخ الإنساني. -- ونحن كذلك لسنا بحاجة لعالم الآثار الذي لا يؤمن بما جاء في كتاب الله عن تلك الأقوام البائدة في دراساته وكتاباته العلمية، ليستند على وثائق واختبارات وما كتب على حجارة وجدران وينسى ما كتب في اللوح المحفوظ، ألم يقل الله أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10)"؟ -- ونحن كذلك لسنا بحاجة لرجل الحرب ومخططها الذي يقرأ في كتاب الله كيف أُستخدم الريح، أو المطر، أو الحجارة في هلاك أمم بأكملها ثم لا يكون في فكره أكثر من مهمة استيراد السلاح من العدو الذي لن يعطيه إلا ما أكل عليه الدهر وشرب، فهل فكر يوماً بأنّ الريح قد تكون أقوى من قنابل الغرب ومتفجراته؟ وهل فكر بأن المطر قد يكون نعمة في حربه مع أعدائه؟ وهل آمن بأن الصيحة قد تكون أشد ردعاً من القنبلة النووية؟ ألم يقرأ في كتاب الله؟وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ص 15 وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) الذاريات 41-42 ولو قرأ مخططو السياسات العسكرية سورة القمر وآمنوا بما فيها وعملوا في البحث عن وسائل الحرب فيها، لكنّا الآن في مأمن من كل التهديدات العسكرية التي تحاك ضد هذه الأمة. -- ونحن كذلك لسنا بحاجة إلى التربويين ودعاة حقوق المرأة الذين يقرؤون ليل ونهار آيات الله:الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا النساء (34) يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) ثم يذهبوا لينشروا كتاباتهم التي تدافع عن الإسلام وعن القرآن وكأنه متهم، ولسان حالهم الاعتذار وإن لم يقولوها صراحة، وكأن غيرهم من أخوان القردة والخنازير هم من أعطى المرأة حقها وحرر الجنس الأسود من العبودية. -- ونحن لسنا بحاجة إلى أصحاب وصاحبات القرار السياسي الذين يظهرون في برامج تلفزيونية وإذاعية للمفسدين والمفسدات ليعطلوا آيات الحجاب ويقدموا الفتاوى على أنّ الحجاب ليس أكثر من عادة اجتماعية أكل عليه الدهر وشرب، ولسان حالهم يقول لأسيادهم من إخوان القردة والخنازير أعذرونا نحن مثلكم نؤمن بالتحضر والتمدن والسفالة. ونحن لسنا بحاجة لعالم الاجتماع الذي يقرأ في كتاب الله. وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ البقرة (65) ثم يذهب إلى غرفة الصف فلا يتجرأ حتى أن يضع هذا الموضوع للنقاش، ويعتبره (إن آمن به أصلاً) أمراً حصل فقط في السياق الديني ولا علاقة لذلك بل العلم إطلاقاً. -- ونحن – ونحن – ونحن إننا لا نزيد القول لهم جميعاً عن ما جاء بحقهم في كتاب الله:بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ يونس (39) والسؤال الذي أود أنْ أطرحه هنا هو: أليس هذا هو فصل الدين عن العلم؟ وهل ظن الناس أنّ موضوع فصل الدين عن الدولة يعني عدم تطبيق حفنة من القوانين والشرائع السماوية؟ أليس هذا كما ذكرنا سابقاً هو الانفصام للشخصية، انفصام بين ما يؤمن به الشخص في المسجد والبيت وخلوته وما يؤمن به في مختبره ودرسه وعلى الملأ من بني جلدته؟ ألم يقرأ هؤلاء قول الله تعالى:... أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ البقرة (85) وأيّ خزي أكبر من ذلك الخزي الذي أصاب هذه الأمة يوم أنْ تركت منهجها القرآني واتبعت المنهج الغربي في البحث العلمي وتناسوا ما جاء في كتاب الله:وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ فصلت (44) وحتى المسلم الحسن فقط يؤمن بما في كتاب الله تعالى، ولكن عندما يأتي ذكر هذه الأمور السالفة الذكر كالتي درج الناس على تسميتها بالمعجزات (ونسميها نحن كما وردت في كتاب الله بالآيات وبالبينات) – لا يزيد أنْ يعتبرها أكثر من أمور خاصة جداً غير قابلة للتطبيق إطلاقاً، وحتى قد يصل الأمر إلى درجة أن تخالج البعض أفكار قد تلقي بظلال الشك على بعض هذه الأمور، فإذا ما ذكرت قصة "الخضر" مثلاً وأصبح هناك جدل بين ذلك المسلم الحسن إسلامه وبين ذلك المحاور في آيات الله، وجدت الإنسان المسلم يحاول التهرب من هذه المواضيع، ولسان حاله كأنة يعتذر عنها، ولا نجد أنه مدافع مؤمن بكل حرف فيها، فقد ينظر إليها بعض ضعاف الإيمان على أنها نقاط ضعف في الدين، وكم من مسلم ممن يظنون أنهم أصحاب عقول ذكية، أخذتهم هذه الأمور إلى الطرف الآخر، ليكونوا هم المدافعين عن العلمانية، فغرتهم عقولهم لأنها لم توصلهم إلى طريق الحقيقة المنشود. فهذه العقول قد استهوتها شبه أكذوبة أصبحت لديهم من المسلمات، وهي ما سمي بالطريقة العلمية للبحث العلمي، وعلى أي حال لا أود أن أدخل في جدلية قد لا تفضي إلى شيء، ولكن أود أنْ أجلب انتباه القارئ إلى سؤال واحد وهو: ما الذي أفضت إليه هذه الطريقة في مجال العلوم المختلفة؟ هل استطاعت تلك الطريقة أن تحل ولو جزءاً بسيطاً من لغز هذا الكون. إن المعرفة الإنسانية التي تراكمت حتى باستخدام الطريقة العلمية لا تشكل حتى نزراً يسيراً جداً مما يطمح إليه الخيال العلمي، فهل ما أنجز مثلاً في مجال الانتقال والاتصال يقارن بما كان ميسراً لسليمان عليه السلام؟ وهل ما أنجز مثلاً في مجال الطب يشكل شيئاً مما كان ميسراً لعيسى عليه السلام؟ وهل ما أنجز مثلاً في مجال علم الاجتماع يمكن أن يقارن بما كان ميسراً للخضر أو للقمان؟ إنّ جل ما تفعله الطريقة العلمية في مجال الطب مثلاً أن يخضع عدد من الناس للتجربة فتحقن مجموعة من المرضى بدواء ما ومجموعة أخرى ضابطة لا يحقنون بذلك العقار، فإذا كانت نسبة الشفاء بين الذين أعطوا العقار أعلى من نسبة من لم يعطوا ذلك العقار توصل الباحث إلى نتيجة مفادها أنّ ذلك العقار ملائم لعلاج لذلك المرض. أليس هذا ما يحصل؟ فلم لا نبدأ نحن المسلمين بذلك؟ فلم لا نأخذ عينة منهم ونجرب آيات وكلام الله"؟ ألم يقل الله تعالى "وننزل من القرآن ما هو شفاء"؟ فإذا كانت النتيجة بين أولئك الذين سمعوا كلام الله أفضل من النتيجة على العينة الذين لم يسمعون كلام الله، فلِمَ لا نصل إلى نتيجة مفادها أنّ كلام الله هو شفاء؟ ولا تظن أنّ هذا الأمر يتم على أيدي الدجالين والمشعوذين، بل نحن نطالب بأنّ يكون ذلك مؤسساً على منهجية علمية موثقة ومكتوبة وقابلة للتجريب والاختبار والنقاش، ولو بدأنا بتنفيذ ذلك، فلا يمكن أنْ تتخيل الكم الهائل من الأبحاث العلمية الدينية التي قد تناقش حتى الفكرة الواحدة البسيطة، وعندها سيكون لنا علمنا البديل في كل العلوم المعروفة، ويصبح لنا منهجيتنا التي تميزنا عن غيرنا من الأمم، وأنا على يقين أنها ستكون منهجية أرقى من منهجية جميع الأمم الأخرى لأنها مؤسسة كما نؤمن جميعنا على المصدر الذي جاءت منه المعرفة أساساً. فقال تعالى:"عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون. النبأ والقارئ الكريم مدعو لقراءة هذه السورة الكريمة التي أنزلت قبل أربعة عشر قرناً ليرى ما فيها من البينات العلمية، ليقنع أنّ هذا الكتاب هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ======== سنقدم مواضيع جديدة لم يؤشر عليها (سدنة المنهج ) لمن لايحتاج اذن من شيخه او ثلته ليقرأها : 1:هل للغة العربية قدسية خاصة؟ (ملخص).. 2: ماهو الذكر الذي حفظه الله ،ومن هم اهل الذكر.. 3: سنن الله لا تتغير وتتبدل هكذا عبثاً أو محاباة، من عدل الله لا يحابي أحداً.. 4: علـــــــــوم كتبوها بأيديهــــــــــــم وألزمـــــــــوا كتـــــاب الله بهــــــا.. 5:اسرار يوم السبت عند اليهود لا يعلمها المسلمين وكثير من اليهود.. 6: النشأة و الخلق...نظرية التطور (نشوء وليس ترقي) - رؤية جديدة - جواب قوي جدا يقهر كل ملحد معاند.. 7: اسرارالحروف المتقطعة في بداية بعض سور القرآن الكريم.. 8: الجلد موطن الإحساس والتسجيل، وهو مركز الاستشعار بالعذاب.. 9:ما معنى "ما ملكت أيمانكم" اختار الباحث ما يراه أقرب للصواب، وما تؤيده الأدلة من القران. 10: خدعة الاجماع ،والسواد الاعظم ،والجمهور.. 11: من المستفيد من لعبة الفرق والاحزاب.. 12: ايات بينات ام معجزات.. 13: هو سماكم المسلمين (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء) اي : فرقا وأحزابا و أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون .. 14:... وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ... فالذرية من الظهور ارتبطت بالملك (بدل الخلافة) الذي وعده الشيطان لآدم، وبالشجرة التي أكل منها: لمّا خلق الله الخلق جميعاً وأودعهم في ظهور أبائهم (آدم) ثم تناقلوا بعدها في ظهور آبائهم .. 15: أين كانت جنة آدم؟سنحاول في هذا البحث تسويق ظننا بأن تلك الجنة كانت على الأرض وأن آدم وزوجه لم يسكنا جنة الخلد إطلاقاً. وسنحاول أن نحدد المنطقة الجغرافية التي سكنها آدم وزوجة.. 16: الروح هي كينونة منفصلة عن الذات الإلهية وهي منفصلة كذلك عن الملائكة، إلا أنها ليست كينونة جامدة، فهناك تقسيمات في هذه الكينونة ...جواب قوي جدا يقهر كل نصراني معاند.. 17: ما هو الربا؟ الربا هو أكل أموال الناس بالباطل - الربا هو كل معاملة تجارية يقع في ظلم على الناس - البيع يكون بالثمن والربا يكون بالسعر (مضاعفة الثمن) - إثم الربا لا يقع إلا على آكله - الخ 18:إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ؛ تساؤلات: -لو كان الأمر على هذه الشاكلة (كما ظن سادتنا أهل الدراية)، فلِم لَم يأت النص على نحو صيغة المبني للمعلوم: إنما يَخشى العلماءُ من الله -إنما يخشى اللهَ عبادُه العلماء -أو على صيغة المبني للمجهول (كما يحب أهل اللغة ومقعدوها أن يصفوها): إنما يُخشى اللهُ من عباده العلماء جواب : من التأكيد أن الخشية لا تحمل في ثناياها الخوف. فالخشية شيء والخوف شيء آخر مختلف تماما بدليل الخ.. 19: نحن نظن أن من قتل في سبيل الله حي عند ربه يرزق وذلك لأن أجله المسمى عند ربه لم يحين بعد. السؤال: ما معنى هذا؟ لم أفهم شيئا. يرد صاحبنا قائلا. رأينا : نحن نظن أنه يجب علينا أن نميز بين نوعين من الوفاة وهما: 1. الوفاة بالموت 2. الوفاة بالقتل فقد تحصل الوفاة للشخص بالموت وقد تحصل الوفاة له بالقتل. والفرق بينهما يتمثل بأن الوفاة بالموت تحصل بسبب حضور الأجل المسمى عند الله أما الوفاة بالقتل فتحصل قبل حضور ذلك الأجل. 20: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) فنحن نظن أنّ البلاء يعم على الأمة، وتتكاثر الشدائد والمحن، وتشتد الصعاب يوم أن يكتم "الذين يعلمون" الحق، لا بل تتفتت الأمة بأكملها وتنهار وتفقد هويتها وتتفرق إلى فرق وطوائف عندما تقوم فئة من العلماء بالفعل المشين ألا وهو إلباس الحق بالباطل (أو إلباس الباطلَ ثوبَ الحق)، فهناك فئة من العلماء لا تقف عند كتمانهم الحق، وإنما تقوم بما هو أدهى وأمرّ: تزيين الباطل بقشور من الحق، فيلبسون الباطل ثوب الحق، فيضلّوا الناس عن علم. 21:المحرفين للكتاب, الذين يقولون لتحريفهم وما يكتبون: هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فيجب أن تستنبط على الفور بأن المشكلة الحقيقية هي في تلك القواعد التي هي من صناعت البشر. من كتب تلك "البضاعة المزجاة" المسماة بالقواعد، ثم ما لبث إلا يسيرا حتى أسقطها على كتاب الله، ولسان حاله يقول بأن هذه هي القواعد التي يسير عليها الكلام (كل الكلام) الذي جاء في هذا الكتاب الكريم. ومع مرور الزمن، وثق الناس بهذه القواعد حتى أنزلوها قدسية النص القرآني نفسه. فإن أنت حاولت أن تشكك في تلك القواعد، فكأنما (لسان حالهم يقول بأنك قد شككت في كتاب الله ذاته. قال شيخ الإسلام فإن الله ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه, وهو متناول لمن حمل الكتاب والسنة, على ما أصله من الباطل. وذم الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني, وهو متناول لمن ترك تدبر القرآن ولم يعلم إلا مجرد تلاوة حروفه، ومتناول لمن كتب كتابا بيده مخالفا لكتاب الله, لينال به دنيا وقال: إنه من عند الله, مثل أن يقول: هذا هو الشرع والدين, وهذا معنى الكتاب والسنة, وهذا معقول السلف والأئمة, وهذا هو أصول الدين, الذي يجب اعتقاده على الأعيان والكفاية، ومتناول لمن كتم ما عنده من الكتاب والسنة, لئلا يحتج به مخالفه في الحق الذي يقوله. وهذه الأمور كثيرة جدا في أهل الأهواء جملة, كالرافضة, وتفصيلا مثل كثير من المنتسبين إلى الفقهاء.

مفهوم السنة في القرآن الكريم

للمهتمين ؛ (ولا أخالهم كثيري العدد) : هل صاحب هذا الفهم (*)يعتبر من : "القرآنيون" ظاهرة تتمدد في أوساط الناس كل يوم ...؛ولابد لهذ...